للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَغَيْرِهِ، فَلَمْ يَكُنْ لِعَلِيٍّ وَلَايَةٌ إِلَّا وَلِغَيْرِهِ مِثْلُهَا، بِخِلَافِ وَلَايَةِ أَبِي بَكْرٍ فَإِنَّهَا مِنْ خَصَائِصِهِ، وَلَمْ يُوَلِّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَبِي بَكْرٍ لَا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَلَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ.

فَأَمَّا تَأْمِيرُ أُسَامَةَ عَلَيْهِ فَمِنَ (١) الْكَذِبِ الْمُتَّفَقِ عَلَى كَذِبِهِ.

وَأَمَّا قِصَّةُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَرْسَلَ عَمْرًا فِي سَرِيَّةٍ، وَهِيَ غَزْوَةُ ذَاتِ السَّلَاسِلِ (٢) ، وَكَانَتْ إِلَى بَنِي عُذْرَةَ، وَهُمْ أَخْوَالُ عَمْرٍو، فَأَمَّرَ عَمْرًا لِيَكُونَ ذَلِكَ سَبَبًا لِإِسْلَامِهِمْ، لِلْقَرَابَةِ الَّتِي لَهُ مِنْهُمْ، ثُمَّ أَرْدَفَهُ بِأَبِي عُبَيْدَةَ، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ. وَقَالَ: " «تَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا» " فَلَمَّا لَحِقَ عَمْرًا قَالَ: أُصَلِّي بِأَصْحَابِي وَتُصِلِّي بِأَصْحَابِكَ، قَالَ: بَلْ أَنَا أُصَلِّي بِكُمْ، فَإِنَّمَا أَنْتَ مَدَدٌ لِي. فَقَالَ لَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَنِي أَنْ أُطَاوِعَكَ، فَإِنْ عَصَيْتَنِي أَطَعْتُكَ. قَالَ: فَإِنَّى أَعْصِيكَ، فَأَرَادَ عَمْرُو أَنْ يُنَازِعَهُ فِي ذَلِكَ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ أَنْ لَا يَفْعَلَ (٣) ، وَرَأَى أَبُو بَكْرٍ أَنَّ ذَلِكَ أَصْلَحُ لِلْأَمْرِ، فَكَانُوا يُصَلُّونَ خَلْفَ عَمْرٍو، مَعَ عِلْمِ كُلِّ أَحَدٍ (٤) أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَأَبَا عُبَيْدَةَ أَفْضَلُ مِنْ عَمْرٍو (٥) .


(١) ح، ب: فَهُوَ مِنَ.
(٢) قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي (زَادِ الْمَعَادِ) ٣/٣٨٦ " وَهِيَ وَرَاءَ وَادِي الْقُرَى بِضَمِّ السِّينِ الْأُولَى وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ عَشْرَةُ أَيَّامٍ، وَكَانَتْ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ ثُمَّ قَالَ ٣/٣٨٧ وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ نُزُولَهُمْ عَلَى مَاءٍ لِجُذَامٍ يُقَالُ لَهُ: السَّلْسَلُ. وَقَالَ: وَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتُ السَّلَاسِلِ.
(٣) ح، ب: أَبُو بَكْرٍ لَا تَفْعَلْ، ر، ي: أَبُو بَكْرٍ أَنْ لَا تَفْعَلَ.
(٤) ح، ب: كُلِّ وَاحِدٍ.
(٥) عِبَارَةُ " تَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا " مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تَرِدْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا جَاءَتْ فِي حَدِيثٍ آخَرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا وَأَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ إِلَى الْيَمَنِ وَقَالَ لَهُمَا: " يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا ". وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ وَالْجِهَادِ وَالْأَدَبِ وَالْمَغَازِي (فِي طَبْعَةِ د. الْبُغَا فِي الْأَرْقَامِ: ٢٨٧٣، ٤٠٨٦ - ٤٠٨٨، ٥٧٧٣، ٦٧٥١) وَهُوَ فِي مُسْلِمٍ ٣/١٣٥٨، ١٣٥٩ (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ بَابٌ فِي الْأَمْرِ بِالتَّيْسِيرِ وَتَرْكِ التَّنْفِيرِ) وَهُوَ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) ٤/٤١٢، ٤١٧ وَأَمَّا حَدِيثُ غَزْوَةِ السَّلَاسِلِ فَهُوَعَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) ٣/١٥١ وَنَصُّهُ: قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَيْشَ ذَاتِ السَّلَاسِلِ، فَاسْتَعْمَلَ أَبَا عُبَيْدَةَ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ، وَاسْتَعْمَلَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عَلَى الْأَعْرَابِ، فَقَالَ لَهُمَا: تَطَاوَعَا. قَالَ: وَكَانُوا يُؤْمَرُونَ أَنْ يُغِيرُوا عَلَى بَكْرٍ، فَانْطَلَقَ عَمْرٌو فَأَغَارَ عَلَى قُضَاعَةَ، لِأَنَّ بَكْرًا أَخْوَالُهُ، فَانْطَلَقَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَكَ عَلَيْنَا، وَإِنَّ ابْنَ فُلَانٍ قَدِ ارْتَبَعَ أَمْرَ الْقَوْمِ، وَلَيْسَ لَكَ مَعَهُ أَمْرٌ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا أَنْ نَتَطَاوَعَ، فَأَنَا أُطِيعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ عَصَاهُ عَمْرٌو ". قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ شاكر رَحِمَهُ اللَّهُ: " إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ لِإِرْسَالِهِ، عَامِرٌ هُوَ ابْنُ شَرَاحِيلَ الشَّعْبِيُّ، وَهُوَ إِمَامٌ كَبِيرٌ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ حُجَّةٌ: وَلَكِنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ عَمْرًا فَأَوْلَى أَنْ لَمْ يُدْرِكْ أَبَا عُبَيْدَةَ. . . ارْتَبَعَ أَمْرَ الْقَوْمِ: أَيِ: انْتَظَرَ أَنْ يُؤَمَّرَ عَلَيْهِمْ "، وَانْظُرْ خَبَرَ الْغَزْوَةِ فِي (زَادِ الْمَعَادِ) ٣/٣٨٦ - ٣٨٧، سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ ٤/٢٧٢ - ٢٧٤، إِمْتَاعَ الْأَسْمَاعِ ص ٣٥٢ - ٣٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>