للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ قِيلَ: إِنَّ الْأُمَّةَ جَحَدَتِ النَّصَّ الْمَعْلُومَ الْمَشْهُورَ، فَلِأَنْ تَكْتُمَ (١) كِتَابًا حَضَرَهُ طَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ أَوْلَى وَأَحْرَى.

وَأَيْضًا فَلَمْ يَكُنْ يَجُوزُ عِنْدَهُمْ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ إِلَى مَرَضِ مَوْتِهِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُ الْكِتَابِ لِشَكِّ مَنْ شَكَّ، فَلَوْ كَانَ مَا يَكْتُبُهُ فِي الْكِتَابِ مِمَّا يَجِبُ بَيَانُهُ وَكِتَابَتُهُ، لَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُبَيِّنُهُ وَيَكْتُبُهُ، وَلَا يَلْتَفِتُ إِلَى قَوْلِ أَحَدٍ، فَإِنَّهُ أَطْوَعُ الْخَلْقِ لَهُ، فَعَلِمَ أَنَّهُ لَمَّا تَرَكَ الْكِتَابَ لَمْ يَكُنِ الْكِتَابُ وَاجِبًا، وَلَا كَانَ فِيهِ مِنَ الدِّينِ مَا تَجِبُ كِتَابَتُهُ حِينَئِذٍ، إِذْ لَوْ وَجَبَ لَفَعَلَهُ، وَلَوْ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اشْتَبَهَ عَلَيْهِ أَمْرٌ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَوْ شَكَّ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ، فَلَيْسَ هُوَ أَعْظَمَ مِمَّنْ يُفْتِي وَيَقْضِي بِأُمُورٍ وَيَكُونُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ حَكَمَ بِخِلَافِهَا، مُجْتَهِدًا فِي ذَلِكَ، وَلَا يَكُونُ قَدْ عَلِمَ حُكْمَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَإِنَّ الشَّكَّ فِي الْحَقِّ أَخَفُّ مِنَ الْجَزْمِ بِنَقِيضِهِ.

وَكُلُّ هَذَا [إِذَا كَانَ] (٢) بِاجْتِهَادٍ سَائِغٍ كَانَ غَايَتَهُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْخَطَأِ الَّذِي رَفَعَ اللَّهُ الْمُؤَاخَذَةَ بِهِ، كَمَا قَضَى عَلِيٌّ فِي الْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَنَّهَا تَعْتَدُّ أَبْعَدَ الْأَجَلَيْنِ، مَعَ مَا ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ «عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَمَّا قِيلَ لَهُ: إِنَّ أَبَا السَّنَابِلِ بْنَ بَعْكَكٍ أَفْتَى بِذَلِكَ لِسُبَيْعَةَ (٣) الْأَسْلَمِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " كَذَبَ


(١) ح، ر: فَلِأَنْ يَكْتُبَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، ن، م، ي: فَلِأَنْ يَكْتُمَ.
(٢) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (ح) ، (ب) .
(٣) ب: سُبَيْعَةَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>