للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُسْتَحِقِّينَ لِلْأَمْوَالِ، فَأَبَاحَ اللَّهُ لِعِبَادِهِ قَتْلَهُمْ وَأَخْذَ أَمْوَالِهِمْ، فَصَارَتْ فَيْئًا أَعَادَهُ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، لِأَنَّهُمْ هُمُ الْمُسْتَحِقُّونَ لَهُ، وَكُلُّ مَالٍ أُخِذَ مِنَ الْكُفَّارِ قَدْ يُسَمَّى فَيْئًا حَتَّى الْغَنِيمَةِ.

كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَنَائِمِ حُنَيْنٍ: " «لَيْسَ لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إِلَّا الْخُمُسُ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ» " (١) .

لَكِنْ لَمَّا قَالَ - تَعَالَى -: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [سُورَةُ الْحَشْرِ: ٦] ، وَقَالَ: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} [سُورَةُ الْحَشْرِ: ٧] صَارَ اسْمُ الْفَيْءِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لَمَّا أَخَذَ مِنَ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ قِتَالٍ.

وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْفَيْءَ لَا يُخَمَّسُ، كَقَوْلِ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ، وَهَذَا قَوْلُ السَّلَفِ قَاطِبَةً، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْخِرَقِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ: يُخَمَّسُ، وَالصَّوَابُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، فَإِنَّ السُّنَنَ الثَّابِتَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُلَفَائِهِ تَقْتَضِي أَنَّهُمْ لَمْ يَخْمُسُوا فَيْئًا قَطُّ، بَلْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِكَانَتْ أَوَّلَ الْفَيْءِ، وَلَمْ يَخْمُسْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَلْ خَمَسَ غَنِيمَةَ بَدْرٍ، وَخَمَسَ خَيْبَرَ وَغَنَائِمَ حُنَيْنٍ.

وَكَذَلِكَ الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ، لَمْ يَكُونُوا يَخْمُسُونَ الْجِزْيَةَ وَالْخَرَاجَ.

وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَفْظُ آيَةِ الْخُمُسِ وَآيَةِ الْفَيْءِ وَاحِدًا، اخْتَلَفَ فَهْمُ النَّاسِ لِلْقُرْآنِ، فَرَأَتْ طَائِفَةٌ أَنَّ آيَةَ الْخُمُسِ تَقْتَضِي أَنْ يُقْسَّمَ الْخُمُسُ بَيْنَ الْخَمْسَةِ بِالسَّوِيَّةِ، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَدَاوُدَ


(١) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى ٤/٢٠٨ - ٢٠٩

<<  <  ج: ص:  >  >>