للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ: " «إِنِّي وَاللَّهِ لَا أُعْطِي أَحَدًا وَلَا أَمْنَعُ أَحَدًا، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ أَضَعُ حَيْثُ أُمِرْتُ» " (١) . فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يُعْطِي الْمَالَ لِمَنْ أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ لَا لِمَنْ يُرِيدُ هُوَ، وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَضَافَهُ إِلَيْهِ لِكَوْنِهِ رَسُولَ اللَّهِ لَا لِكَوْنِهِ مَالِكًا لَهُ.

وَهَذَا بِخِلَافِ نَصِيبِهِ مِنَ الْمَغْنَمِ وَمَا وُصِّيَ لَهُ بِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ مِلْكَهُ، وَلِهَذَا سُمِّيَ الْفَيْءُ مَالَ اللَّهِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ الْمَالُ الَّذِي يَجِبُ صَرْفُهُ فِيمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ؛ أَيْ: فِي طَاعَةِ اللَّهِ، أَيْ لَا يَصْرِفُهُ أَحَدٌ فِيمَا يُرِيدُ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا، بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ الْمَمْلُوكَةِ.

وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [سُورَةُ النُّورِ: ٣٣] فَإِنَّهُ لَمْ يُضِفْهُ إِلَى الرَّسُولِ بَلْ جَعَلَهُ مِمَّا آتَاهُمُ اللَّهُ، قَالُوا: وَقَوْلُهُ - تَعَالَى -: {وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [سُورَةُ الْحَشْرِ: ٧] تَخْصِيصُ هَؤُلَاءِ بِالذِّكْرِ لِلِاعْتِنَاءِ بِهِمْ، لَا لِاخْتِصَاصِهِمْ بِالْمَالِ، وَلِهَذَا قَالَ: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [سُورَةُ الْحَشْرِ: ٧] أَيْ لَا تَتَدَاوَلُونَهُ وَتَحْرِمُونَ الْفُقَرَاءَ، وَلَوْ كَانَ مُخْتَصًّا بِالْفُقَرَاءِ لَمْ يَكُنْ لِلْأَغْنِيَاءِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ دُولَةً.

وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى -: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [سُورَةُ الْحَشْرِ: ٧] فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الرَّسُولَ هُوَ الْقَاسِمُ لِلْفَيْءِ وَالْمَغَانِمِ، وَلَوْ كَانَتْ مَقْسُومَةً مَحْدُودَةً كَالْفَرَائِضِ، لَمْ يَكُنْ لِلرَّسُولِ أَمْرٌ فِيهَا وَلَا نَهْيٌ.

وَأَيْضًا فَالْأَحَادِيثُ الثَّابِتَةُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُلَفَائِهِ تَدُلُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُخَمِّسْ قَطُّ خُمُسًا


(١) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى ٢/٢٠٦

<<  <  ج: ص:  >  >>