للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِ بَيْنَ الْعُقَلَاءِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَا صَدَرَ عَنْهُ بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ قَدِيمًا أَزَلِيًّا، فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَحْدُثَ فِي الْعَالَمِ شَيْءٌ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا يَشْهَدُهُ الْخَلْقُ مِنْ حُدُوثِ الْحَوَادِثِ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا مِنْ حُدُوثِ الْحَرَكَاتِ وَالْأَعْيَانِ وَالْأَعْرَاضِ كَحَرَكَةِ الشَّمْسِ، وَالْقَمَرِ، وَالْكَوَاكِبِ، وَحَرَكَةِ الرِّيَاحِ، وَكَالسَّحَابِ وَالْمَطَرِ وَمَا يَحْدُثُ مِنَ الْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ (١) ، وَالْمَعْدِنِ.

وَأَمَّا إِرَادَةُ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، فَلِمَا تَقَدَّمَ، وَلِأَنَّهُ حِينَئِذٍ إِمَّا أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ لَهُ إِلَّا تِلْكَ الْإِرَادَةُ الْأَزَلِيَّةُ، وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: لَهُ إِرَادَاتٌ (٢) تَحْصُلُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، فَإِنْ قِيلَ بِالْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ (٣) عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ الْمُرِيدُ الْأَزَلِيُّ فِي الْأَزَلِ مُقَارِنًا لِمُرَادِهِ الْأَزَلِيِّ، فَلَا يُرِيدُ شَيْئًا مِنَ الْحَوَادِثِ لَا بِالْإِرَادَةِ الْقَدِيمَةِ وَلَا بِإِرَادَةٍ مُتَجَدِّدَةٍ ; لِأَنَّهُ إِذَا قُدِّرَ أَنَّ الْمُرِيدَ الْأَزَلِيَّ يَجِبُ أَنْ يُقَارِنَهُ مُرَادُهُ كَانَ الْحَادِثُ حَادِثًا إِمَّا بِإِرَادَةٍ أَزَلِيَّةٍ فَلَا يُقَارِنُ الْمُرِيدُ مُرَادَهُ، وَإِمَّا حَادِثًا بِإِرَادَةٍ حَادِثَةٍ مُقَارِنَةٍ لَهُ، وَهَذَا بَاطِلٌ لِوَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ التَّقْدِيرَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إِلَّا إِرَادَةٌ وَاحِدَةٌ أَزَلِيَّةٌ.

الثَّانِي: أَنَّ حُدُوثَ تِلْكَ الْإِرَادَةِ يَفْتَقِرُ إِلَى سَبَبٍ حَادِثٍ، وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ [السَّبَبِ] (٤) الْحَادِثِ كَالْقَوْلِ فِي غَيْرِهِ: يَمْتَنِعُ أَنْ يَحْدُثَ بِالْإِرَادَةِ الْأَزَلِيَّةِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِمُقَارَنَةِ مُرَادِهَا لَهَا، وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَحْدُثَ بِلَا إِرَادَةٍ لِامْتِنَاعِ حُدُوثِ الْحَادِثِ بِلَا إِرَادَةٍ، فَيَجِبُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ إِرَادَةُ


(١) أ، ب: النَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ.
(٢) ن، م: إِرَادَةٌ.
(٣) أ، ب: فَهُوَ.
(٤) السَّبَبِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

<<  <  ج: ص:  >  >>