للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبَا سُفْيَانَ [رَجُلٌ] (١) يُحِبُّ الشَّرَفَ (٢) . وَكُلُّ هَذَا مِنْ مَحَبَّةِ الْعَبَّاسِ لِأَبِي سُفْيَانَ وَبَنِي أُمَيَّةَ؛ لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ.

وَحَتَّى أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ عَلِيٍّ وَبَيْنَ رَجُلٍ آخَرَ (٣) مِنَ الْمُسْلِمِينَ مُنَازَعَةٌ فِي حَدٍّ، فَخَرَجَ عُثْمَانُ فِي مَوْكِبٍ فِيهِمْ مُعَاوِيَةُ لِيَقِفُوا عَلَى الْحَدِّ، فَابْتَدَرَ مُعَاوِيَةُ وَسَأَلَ عَنْ مَعْلَمٍ مِنْ مَعَالِمِ الْحَدِّ: هَلْ كَانَ هَذَا عَلَى عَهْدِ عُمَرَ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ (٤) . فَقَالَ: لَوْ كَانَ هَذَا ظُلْمًا لَغَيَّرَهُ عُمَرُ. فَانْتَصَرَ مُعَاوِيَةُ لِعَلِيٍّ فِي تِلْكَ الْحُكُومَةِ، وَلَمْ يَكُنْ عَلِيٌّ حَاضِرًا، بَلْ كَانَ قَدْ وَكَّلَ ابْنَ جَعْفَرٍ. وَكَانَ [عَلِيٌّ] (٥) يَقُولُ: " إِنَّ لِلْخُصُومَاتِ قُحَمًا (٦) ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُهَا " وَكَانَ قَدْ وَكَّلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ عَنْهُ فِي الْمُحَاكَمَةِ.

وَبِهَذَا احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ عَلَى جَوَازِ التَّوْكِيلِ فِي الْخُصُومَةِ بِدُونِ اخْتِيَارِ الْخَصْمِ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَ [أَصْحَابِ] أَحْمَدَ (٧) وَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ.

فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِعَلِيٍّ، فَقَالَ: أَتَدْرِي لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةُ؟


(١) رَجُلٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .
(٢) سَبْقَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْخَبَرِ فِيمَا مَضَى ٥/٤٣٤ وَهُوَ كَلَامٌ ذَكَرَهُ الْعَبَّاسُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ.
(٣) آخَرَ زِيَادَةٌ فِي (ن) ، (م) .
(٤) ح: فَقَالُوا لَا نَعْلَمُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(٥) عَلِيٌّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(٦) فِي لِسَانِ الْعَرَبِ: وَالْقُحَمُ: الْأُمُورُ الْعِظَامُ الَّتِي لَا يَرْكَبُهَا كُلُّ أَحَدٍ وَلِلْخُصُومَةِ قُحَمٌ، أَيْ: أَنَّهَا تُقْحِمُ بِصَاحِبِهَا عَلَى مَا لَا يُرِيدُهُ، وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: أَنَّهُ وَكَّلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ بِالْخُصُومَةِ، وَقَالَ: إِنَّ لِلْخُصُومَةِ قُحَمًا، وَهِيَ الْأُمُورُ الْعِظَامُ الشَّاقَّةُ، وَاحِدَتُهَا قُحْمَةٌ.
(٧) ن، م: الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>