للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِذَا كَانَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ كُتُبِهِ يُبْطِلُ مَذْهَبَ الْإِمَامِيَّةِ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى الْمُدَاهَنَةِ لَهُمْ فِي هَذَا الْكِتَابِ لِأَجْلِ مَنْ صَنَّفَهُ لَهُ.

وَأَيْضًا فَهَذِهِ الشُّبْهَةُ الَّتِي حَكَاهَا الشَّهْرَسْتَانِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ " الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ " عَنْ إِبْلِيسَ فِي مُنَاظَرَتِهِ لِلْمَلَائِكَةِ لَا تُعْلَمُ إِلَّا بِالنَّقْلِ، وَهُوَ لَمْ يَذْكُرْ لَهَا إِسْنَادًا، بَلْ لَا إِسْنَادَ لَهَا أَصْلًا. فَإِنَّ هَذِهِ لَمْ تُنْقَلْ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَا عَنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ الْمَشْهُورِينَ، وَلَا هِيَ أَيْضًا مِمَّا هُوَ مَعْلُومٌ عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ (١) .

وَهَذِهِ لَا تُعْلَمُ إِلَّا بِالنَّقْلِ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّمَا تُوجَدُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْمَقَالَاتِ وَبَعْضِ كُتُبِ النَّصَارَى.

وَالشَّهْرَسْتَانِيُّ أَكْثَرُ مَا يَنْقُلُهُ مِنَ الْمَقَالَاتِ مِنْ كُتُبِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَهُمْ يُكَذِّبُونَ بِالْقَدَرِ. فَيُشْبِهُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْمُكَذِّبِينَ بِالْقَدَرِ وَضَعَ هَذِهِ الْحِكَايَةَ لِيَجْعَلَهَا حُجَّةً عَلَى الْمُثْبِتِينِ لِلْقَدَرِ، كَمَا يَضَعُونَ شِعْرًا عَلَى لِسَانِ يَهُودِيٍّ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّا رَأَيْنَا كَثِيرًا مِنَ الْقَدَرِيَّةِ يَضَعُونَ عَلَى لِسَانِ الْكُفَّارِ مَا فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى اللَّهِ، وَمَقْصُودُهُمْ بِذَلِكَ التَّكْذِيبِ بِالْقَدَرِ،


(١) انْظُرْ هَذِهِ الْمُنَاظَرَةَ فِي الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ ١/٢٣ - ٢٥ وَقَالَ الشَّهْرَسْتَانِيُّ فِي أَوَّلِهَا (ص ٢٤) قَالَ كَمَا نُقِلَ عَنْهُ: إِنِّي سَلَّمْتُ أَنَّ الْبَارِي تَعَالَى إِلَهِي وَإِلَهَ الْخَلْقِ عَالِمٌ قَادِرٌ، وَلَا يُسْأَلُ عَنْ قُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، وَأَنَّهُ مَهْمَا أَرَادَ شَيْئًا قَالَ لَهُ: كُنْ فَيَكُونُ، وَهُوَ حَكِيمٌ، إِلَّا أَنَّهُ يَتَوَجَّهُ عَلَى مَسَاقِ حِكْمَتِهِ أَسْئِلَةٌ، قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: مَا هِيَ؟ وَكَمْ هِيَ؟ قَالَ لَعَنَهُ اللَّهُ: سَبْعٌ. ثُمَّ أَوْرَدَ الشَّهْرَسْتَانِيُّ سَبْعَةَ أَسْئِلَةٍ عَلَى لِسَانِ إِبْلِيسَ (ص ٢٤ - ٢٥) وَذَكَرَ فِي آخِرِهَا (ص ٢٥) : قَالَ شَارِحُ الْإِنْجِيلِ: فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ: قُولُوا لَهُ: إِنَّكَ فِي تَسْلِيمِكَ الْأَوَّلِ. . . . إِلَخْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>