للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَعْمَلُونَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " فَخَلِّهِمْ» " (١) . وَأَمْثَالُ ذَلِكَ كَثِيرٌ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ الَّذِي وَقَعَ فِي مَرَضِهِ كَانَ مِنْ أَهْوَنِ الْأَشْيَاءِ وَأَبْيَنِهَا، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ فِي مَرَضِهِ: " «ادْعِي لِي أَبَاكِ وَأَخَاكِ حَتَّى أَكْتُبَ لِأَبِي بَكْرٍ كِتَابًا لَا يَخْتَلِفُ عَلَيْهِ النَّاسُ مِنْ بَعْدِي ". ثُمَّ قَالَ: " يَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ» " (٢) فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْخَمِيسِ هَمَّ أَنْ يَكْتُبَ كِتَابًا، فَقَالَ عُمَرُ: " مَالَهُ أَهَجَرَ؟ (٣) " فَشَكَّ عُمَرُ هَلْ هَذَا الْقَوْلُ مَنْ هُجْرِ الْحُمَّى أَوْ هُوَ مِمَّا يَقُولُ عَلَى عَادَتِهِ فَخَافَ عُمَرُ أَنَّ يَكُونَ مِنْ هُجْرِ الْحُمَّى، أَوْ هَذَا مِمَّا خَفِيَ عَلَى عُمَرَ كَمَا خَفِيَ عَلَيْهِ مَوْتُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ أَنْكَرَهُ، ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ هَاتُوا كِتَابًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَأْتُوا بِكِتَابٍ. فَرَأَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْكِتَابَ فِي هَذَا الْوَقْتِ لَمْ يَبْقَ فِيهِ فَائِدَةٌ، لِأَنَّهُمْ يَشُكُّونَ: هَلْ أَمْلَاهُ مَعَ تَغَيُّرِهِ بِالْمَرَضِ؟ أَمْ مَعَ سَلَامَتِهِ مِنْ ذَلِكَ؟ فَلَا يَرْفَعُ النِّزَاعَ فَتَرَكَهُ.

وَلَمْ تَكُنْ كِتَابَةُ الْكِتَابِ مِمَّا أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ أَنْ يَكْتُبَهُ أَوْ يُبَلِّغَهُ فِي ذَلِكَ


(١) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ، فِي مُسْلِمٍ ١/٥٩ - ٦١ (كِتَابِ الْإِيمَانِ، بَابِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى التَّوْحِيدِ دَخَلَ الْجَنَّةَ قَطْعًا) .
(٢) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى ١/٤٩٢، ٢/٥١ - ٥٢
(٣) قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ ٤/٢٤٠: أَهَجَرَ: أَيِ: اخْتَلَفَ كَلَامُهُ بِسَبَبِ الْمَرَضِ، عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِفْهَامِ، أَيْ: هَلْ تَغَيَّرَ كَلَامُهُ وَاخْتَلَطَ لِأَجْلِ مَا بِهِ مِنَ الْمَرَضِ، وَهَذَا أَحْسَنُ مَا يُقَالُ فِيهِ، وَلَا يُجْعَلُ إِخْبَارًا فَيَكُونُ إِمَّا مِنَ الْفُحْشِ أَوِ الْهَذَيَانِ، وَالْقَائِلُ كَانَ عُمَرُ، وَلَا يُظَنُّ بِهِ ذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>