فَهَذَا مَجْمُوعُ مَا يُورِثُ الشُّبَهَ فِي ذَلِكَ إِذَا خَلَتِ النُّفُوسُ عَنِ الْهَوَى وَقَلَّ أَنْ يَخْلُوَ أَكْثَرُ النَّاسِ عَنِ الْهَوَى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} [سُورَةُ النَّجْمِ: ٢٣] .
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ جَوَازَ تَوْلِيَةِ الْمَفْضُولِ لِأَسْبَابٍ مَانِعَةٍ مِنْ تَوْلِيَةِ الْفَاضِلِ هُوَ قَوْلٌ ذَهَبَ إِلَيْهِ طَوَائِفُ مِنَ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ. وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَكُنِ الَّذِينَ مَعَ مُعَاوِيَةَ يَقُولُونَ: إِنَّهُ الْإِمَامُ وَالْخَلِيفَةُ، وَإِنَّ عَلَى عَلِيٍّ وَأَصْحَابِهِ مُبَايَعَتَهُ وَطَاعَتَهُ، وَإِنْ كَانَ عَلِيٌّ أَفْضَلَ، لِأَنَّ تَوْلِيَتَهُ أَصْلَحَ.
فَهَذَا لَمْ يَكُونُوا يَقُولُونَهُ، وَلَا يُقَاتِلُونَ عَلَيْهِ، وَهَذَا مِمَّا هُوَ مَعْلُومٌ لِعُمُومِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَا بَدَأُوا عَلِيًّا وَأَصْحَابَهُ بِقِتَالٍ أَصْلًا.
وَلِأَنَّ الْخَوَارِجَ بِدَأُوهُ بِذَلِكَ، فَإِنَّهُمْ قَتَلُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ خَبَّابٍ لَمَّا اجْتَازَ بِهِمْ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يُحَدِّثَهُمْ عَنْ أَبِيهِ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ، فَحَدَّثَهُمْ حَدِيثًا فِي تَرْكِ الْفِتَنِ، وَكَانَ قَصْدُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رُجُوعَهُمْ عَنِ الْفِتْنَةِ، فَقَتَلُوهُ، وَبَقِيَ دَمُهُ مِثْلُ الشِّرَاكِ فِي الدِّمَاءِ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ عَلِيٌّ يَقُولُ: سَلِّمُوا إِلَيْنَا قَاتِلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ. فَقَالُوا: كُلُّنَا قَتَلَهُ. ثُمَّ أَغَارُوا عَلَى سَرْحِ النَّاسِ، وَهِيَ الْمَاشِيَةُ الَّتِي أَرْسَلُوهَا تَسْرَحُ مَعَ الرِّعَاءِ. فَلَمَّا رَأَى عَلِيٌّ أَنَّهُمُ اسْتَحَلُّوا دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالَهُمْ، ذَكَرَ النُّصُوصَ الَّتِي سَمِعَهَا مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صِفَتِهِمْ وَفِي الْأَمْرِ بِقِتَالِهِمْ، وَرَأَى تِلْكَ الصِّفَةَ مُنْطَبِقَةً عَلَيْهِمْ، فَقَاتَلَهُمْ، وَنَصَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَفَرِحَ بِذَلِكَ، وَسَجَدَ لِلَّهِ شُكْرًا لَمَّا جَاءَهُ خَبَرُ الْمُخَدَّجِ أَنَّهُ مَعَهُمْ، فَإِنَّهُ هُوَ كَانَ الْعَلَامَةَ الَّتِي أَخْبَرَ بِهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاتَّفَقَ الصَّحَابَةُ عَلَى قِتَالِهِمْ فَقِتَالُهُ لِلْخَوَارِجِ كَانَ بِنَصٍّ مِنَ الرَّسُولِ وَبِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute