للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَادَاتِ وَلَمْ يَعْلَمِ اسْتِمْرَارَ الْقَاعِدَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ فِي الْعَقْلِ. قَالُوا: وَإِذَا كَانَ هَذَا لُطْفًا فِي التَّكْلِيفِ لَزِمَ وُجُوبُهُ. ثُمَّ ذَكَرُوا صِفَاتِهِ مِنَ الْعِصْمَةِ وَغَيْرِهَا.

ثُمَّ أَوْرَدَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ سُؤَالًا، فَقَالُوا: إِذَا قُلْتُمْ: إِنَّ الْإِمَامَ لُطْفٌ، وَهُوَ غَائِبٌ عَنْكُمْ فَأَيْنَ اللُّطْفُ الْحَاصِلُ مَعَ غَيْبَتِهِ؟ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لُطْفُهُ حَاصِلًا مَعَ الْغَيْبَةِ وَجَازَ التَّكْلِيفُ بَطَلَ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ لُطْفًا فِي الدِّينِ وَحِينَئِذٍ يَفْسُدُ الْقَوْلُ بِإِمَامَةِ الْمَعْصُومِ.

وَقَالُوا فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ: إِنَّا نَقُولُ: إِنَّ لُطْفَ الْإِمَامِ حَاصِلٌ فِي حَالَةِ الْغَيْبَةِ لِلْعَارِفِينَ بِهِ فِي حَالِ الظُّهُورِ وَإِنَّمَا فَاتَ اللُّطْفُ لِمَنْ لَمْ يَقُلْ بِإِمَامَتِهِ. كَمَا أَنَّ لُطْفَ الْمَعْرِفَةِ لَمْ يَحْصُلْ لِمَنْ لَمْ يَعْرِفِ اللَّهَ تَعَالَى، وَحَصَلَ لِمَنْ كَانَ عَارِفًا بِهِ. قَالُوا: وَهَذَا يُسْقِطُ هَذَا السُّؤَالَ، وَيُوجِبُ الْقَوْلَ بِإِمَامَةِ الْمَعْصُومِينَ.

فَقِيلَ لَهُمْ: لَوْ كَانَ اللُّطْفُ حَاصِلًا فِي حَالِ الْغَيْبَةِ كَحَالِ الظُّهُورِ، لَوَجَبَ أَنْ يَسْتَغْنُوا عَنْ ظُهُورِهِ، وَيَتَّبِعُوهُ (١) إِلَى أَنْ يَمُوتُوا. وَهَذَا خِلَافُ مَا يَذْهَبُونَ إِلَيْهِ.

فَأَجَابُوا بِأَنَّا نَقُولُ: إِنَّ اللُّطْفَ فِي غَيْبَتِهِ عِنْدَ الْعَارِفِ بِهِ مِنْ بَابِ التَّنْفِيرِ وَالتَّبْعِيدِ عَنِ الْقَبَائِحِ مِثْلُ حَالِ الظُّهُورِ، لَكِنْ نُوجِبُ ظُهُورَهُ لِشَيْءٍ غَيْرِ ذَلِكَ، وَهُوَ رَفْعُ أَيْدِي الْمُتَغَلِّبِينَ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَخْذُ الْأَمْوَالِ وَوَضْعُهَا فِي مَوَاضِعِهَا مِنْ أَيْدِي الْجَبَابِرَةِ، وَرَفْعُ مَمَالِكِ الظُّلْمِ (٢) الَّتِي لَا يُمْكِنُنَا رَفْعُهَا إِلَّا بِطَرِيقِهِ (٣) وَجِهَادُ الْكُفَّارِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ إِلَّا مَعَ ظُهُورِهِ.


(١) ن، م: وَيَتَّبِعُونَهُ.
(٢) ن، م: الظَّالِمِ.
(٣) أَيْ: بِطَرِيقِ الْإِمَامِ الْغَائِبِ الْمُنْتَظَرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>