للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قِيلَ: إِنْ كَانَتْ طَاعَةُ الْمُكَلَّفِينَ مَقْدُورَةً لِلَّهِ، وَلَمْ يَخْلُقْهَا، فَلَمْ يَخْلُقِ الْمَصْلَحَةَ الْمَطْلُوبَةَ بِالْمَعْصُومِ، فَلَا تَكُونُ وَاجِبَةً عَلَيْهِ؟ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَقْدُورَةً امْتَنَعَ الْوُجُوبُ بِدُونِهَا فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ، فَكَيْفَ فِي حَقِّ اللَّهِ؟

وَمَا لَا يَتِمُّ الْوُجُوبُ إِلَّا بِهِ [وَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ] فَلَيْسَ [الْأَمْرُ حِينَئِذٍ] بِوَاجِبٍ (١) .

أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَحْصِيلُ مَصْلَحَةٍ لَا تَحْصُلُ بِدُونِ فِعْلِ غَيْرِهِ، إِلَّا إِذَا أَعَانَهُ ذَلِكَ الْغَيْرُ؟ كَالْجُمْعَةِ الَّتِي لَا تَجِبُ إِلَّا خَلْفَ إِمَامٍ أَوْ مَعَ عَدَدٍ، فَلَا يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يُصَلِّيَهَا إِلَّا إِذَا حَصَلَ الْإِمَامُ وَسَائِرُ الْعَدَدِ. وَالْحَجُّ الَّذِي لَا يَجِبُ عَلَيْهِ السَّفَرُ إِلَيْهِ إِلَّا مَعَ رُفْقَةٍ يَأْمَنُ مَعَهُمْ، أَوْ مَعَ مَنْ يُكْرِيهِ دَابَّتَهُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إِذَا لَمْ يَحْصُلْ مَنْ يَفْعَلُ (٢) مَعَهُ ذَلِكَ.

وَدَفْعُ الظُّلْمِ عَنِ الْمَظْلُومِ، إِذَا لَمْ يُمْكِنْ إِلَّا بِأَعْوَانٍ لَمْ يَجِبْ عَلَى مَنْ لَا أَعْوَانَ لَهُ.

فَإِذَا قَالُوا: إِنَّ الرَّبَّ يَجِبُ عَلَيْهِ تَحْصِيلُ هَذِهِ الْمَصَالِحِ لِعِبَادِهِ، الْحَاصِلَةِ بِخَلْقِ الْمَعْصُومِ، وَهِيَ لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِوُجُودِ مَنْ يُطِيعُهُ. وَاللَّهُ تَعَالَى عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَجْعَلَ النَّاسَ يُطِيعُونَهُ، لَمْ يَكُنْ خَلْقُ الْمَعْصُومِ وَاجِبًا عَلَيْهِ؛ لِعَدَمِ وُجُوبِ مَا لَا يَحْصُلُ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ، وَعَدَمِ حُصُولِ الْمَطْلُوبِ بِالْمَعْصُومِ وَحْدَهُ (٣) .

وَإِنْ قِيلَ: يَخْلُقُهُ لَعَلَّ بَعْضَ النَّاسِ يُطِيعُهُ.

قِيلَ: أَوَّلًا: هَذَا مُمْتَنِعٌ مِمَّنْ يَعْلَمُ عَوَاقِبَ الْأُمُورِ.


(١) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَلَعَلَّ مَا زِدْتُهُ بَيْنَ مَعْقُوفَتَيْنِ يُوَضِّحُ الْمَعْنَى، وَهُوَ الَّذِي يَشْرَحُهُ ابْنُ تَيْمِيَةَ فِي الْكَلَامِ التَّالِي بَعْدَ ذَلِكَ.
(٢) ب: مِنْ فِعْلِهِ.
(٣) وَحْدَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) .

<<  <  ج: ص:  >  >>