للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا لَازِمٌ لَهُمْ ; فَإِنَّهُمْ إِنْ قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ، أَمْكَنَهُ صَرْفُ دَوَاعِي الظُّلْمَةِ حَتَّى يَتَمَكَّنَ النَّاسُ مِنْ طَاعَتِهِ.

وَإِنْ قَالُوا: لَيْسَ خَالِقَ أَفْعَالِ الْعِبَادِ.

قِيلَ: فَالْعِصْمَةُ إِنَّمَا تَكُونُ بِأَنْ يُرِيدَ الْفَاعِلُ الْحَسَنَاتِ وَلَا يُرِيدُ السَّيِّئَاتِ، وَهُوَ عِنْدَكُمْ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُغَيِّرَ إِرَادَةَ أَحَدٍ، فَلَا يَقْدِرُ عَلَى جَعْلِهِ مَعْصُومًا.

وَهَذَا أَيْضًا دَلِيلٌ مُسْتَقِلٌّ عَلَى إِبْطَالِ خَلْقِ أَحَدٍ مَعْصُومًا، عَلَى قَوْلِ الْقَدَرِيَّةِ ; فَإِنَّ الْعِصْمَةَ إِنَّمَا تَكُونُ بِأَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ مُرِيدًا لِلْحَسَنَاتِ، غَيْرَ مُرِيدٍ لِلسَّيِّئَاتِ. فَإِذَا كَانَ هُوَ الْمُحْدِثُ لِلْإِرَادَةِ (١) ، وَاللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ الْقَدَرِيَّةِ لَا يَقْدِرُ عَلَى إِحْدَاثِ إِرَادَةِ أَحَدٍ، امْتَنَعَ مِنْهُ أَنْ يَجْعَلَ أَحَدًا مَعْصُومًا.

وَإِذَا قَالُوا: يَخْلُقُ مَا تَمِيلُ بِهِ إِرَادَتُهُ إِلَى الْخَيْرِ.

قِيلَ: إِنْ كَانَ ذَلِكَ مُلْجِئًا، زَالَ التَّكْلِيفُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُلْجِئًا لَمْ يَنْفَعْ. وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَقْدُورًا عِنْدَكُمْ، فَهَلَّا فَعَلَهُ بِجَمِيعِ الْعِبَادِ؟ فَإِنَّهُ أَصْلَحُ لَهُمْ، إِذَا أَوْجَبْتُمْ عَلَى اللَّهِ أَنْ يَفْعَلَ الْأَصْلَحَ بِكُلِّ عَبْدٍ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الثَّوَابَ عِنْدَكُمْ، كَمَا لَا يَمْنَعُهُ فِي حَقِّ الْمَعْصُومِ.

الْوَجْهُ التَّاسِعُ (٢) : أَنْ يُقَالَ: حَاجَةُ الْإِنْسَانِ إِلَى تَدْبِيرِ بَدَنِهِ بِنَفْسِهِ، أَعْظَمُ مِنْ حَاجَةِ الْمَدِينَةِ إِلَى رَئِيسِهَا. وَإِذَا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَخْلُقْ نَفْسَ الْإِنْسَانِ مَعْصُومَةً، فَكَيْفَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَخْلُقَ رَئِيسًا مَعْصُومًا؟

مَعَ أَنَّ الْإِنْسَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَكْفُرَ بِبَاطِنِهِ، وَيَعْصِيَ بِبَاطِنِهِ، وَيَنْفَرِدَ بِأُمُورٍ


(١) ن، م: الْمُحْدِثُ لِلْإِرَادَةِ بَيِّنٌ.
(٢) م: الثَّامِنُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>