للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ يُوجِبُ وَيُحَرِّمُ مِنْ غَيْرِ إِسْنَادٍ إِلَى نُصُوصِ النَّبِيِّ، كَانَ مُسْتَقِلًّا، لَمْ يَكُنْ مُتَّبِعًا لَهُ، وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا نَبِيًّا، فَأَمَّا مَنْ لَا يَكُونُ إِلَّا خَلِيفَةً لِنَبِيٍّ، فَلَا يَسْتَقِلُّ دُونَهُ.

وَأَيْضًا فَالْقِيَاسُ إِنْ كَانَ حُجَّةً جَازَ إِحَالَةُ النَّاسِ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً وَجَبَ أَنْ يَنُصَّ النَّبِيُّ عَلَى الْكُلِّيَّاتِ.

وَأَيْضًا فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: ٣] .

وَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّ الدِّينَ كَامِلٌ لَا يَحْتَاجُ مَعَهُ إِلَى غَيْرِهِ.

وَالنَّاسُ فِي هَذَا الْأَصْلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: النُّصُوصُ قَدِ انْتَظَمَتْ جَمِيعَ (١) كُلِّيَّاتٍ الشَّرِيعَةِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى الْقِيَاسِ، بَلْ لَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ.

وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: بَلْ كَثِيرٌ مِنَ الْحَوَادِثِ لَا يَتَنَاوَلُهَا النُّصُوصُ، فَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إِلَى الْقِيَاسِ. وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ قَدْ يَدَّعِي أَنَّ أَكْثَرَ الْحَوَادِثِ كَذَلِكَ، وَهَذَا سَرَفٌ مِنْهُمْ.

وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: بَلِ النُّصُوصُ تَنَاوَلَتِ الْحَوَادِثَ بِطُرُقٍ جَلِيَّةٍ أَوْ خَفِيَّةٍ، فَمِنَ النَّاسِ مَنْ لَا يَفْهَمُ تِلْكَ الْأَدِلَّةَ (٢) ، أَوْ لَا يَبْلُغُهُ النَّصُّ فَيَحْتَاجُ إِلَى الْقِيَاسِ، وَإِنْ كَانَتِ الْحَوَادِثُ قَدْ تَنَاوَلَهَا النَّصُّ. أَوْ يَقُولُ: إِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ عُمُومِ النَّصِّ الْقَطْعِيِّ وَالْقِيَاسِ الْمَعْنَوِيِّ حُجَّةٌ وَطَرِيقٌ يَسْلُكُ السَّالِكُ


(١) م: انْتَظَمَتْ جَمْعَ، ب: انْتَظَمَتْ فِي جَمِيعٍ.
(٢) ن، م: الدَّلَالَةَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>