للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفَتَاوِيهِ بِكُفْرِ الْجُمْهُورِ، وَأَنَّهُمْ مُرْتَدُّونَ، وَدَارُهُمْ دَارُ رِدَّةٍ، يَحْكُمُ بِنَجَاسَةِ مَائِعِهَا، وَأَنَّ مَنِ انْتَقَلَ إِلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ لَمْ تُقْبَلْ تَوْبَتُهُ، لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ الَّذِي يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ لَا يُقْبَلُ [مِنْهُ] (١) الرُّجُوعُ إِلَى الْإِسْلَامِ.

وَهَذَا فِي الْمُرْتَدِّ عَنِ الْإِسْلَامِ قَوْلٌ لِبَعْضِ السَّلَفِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. قَالُوا: لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ مَنْ كَانَ كَافِرًا فَأَسْلَمَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْكُفْرِ، بِخِلَافِ مَنْ يُولَدُ مُسْلِمًا.

فَجَعَلَ هَؤُلَاءِ هَذَا فِي سَائِرِ الْأُمَّةِ، فَهُمْ عِنْدَهُمْ كُفَّارٌ، فَمَنْ صَارَ مِنْهُمْ إِلَى مَذْهَبِهِمْ كَانَ مُرْتَدًّا.

وَهَذِهِ الْآيَةُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ خُوطِبَ بِهَا أَوَّلًا مَنْ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقِيلَ لَهُمْ: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: ٢٨] . وَهَذِهِ الْآيَةُ مَدَنِيَّةٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ فَإِنَّ سُورَةَ آلِ عِمْرَانَ كُلَّهَا مَدَنِيَّةٌ، وَكَذَلِكَ الْبَقَرَةُ وَالنِّسَاءُ وَالْمَائِدَةُ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ بِالْمَدِينَةِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ وَلَا يُظْهِرُ لِلْكُفَّارِ أَنَّهُ مِنْهُمْ، كَمَا يَفْعَلُهُ الرَّافِضَةُ مَعَ الْجُمْهُورِ.

وَقَدِ اتَّفَقَ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ بِسَبَبِ أَنَّ بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ أَرَادَ إِظْهَارَ مَوَدَّةِ الْكُفَّارِ فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ. وَهُمْ لَا يُظْهِرُونَ الْمَوَدَّةَ لِلْجُمْهُورِ. وَفِي رِوَايَةِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ كَانَ لَهُ حُلَفَاءُ مِنَ


(١) زِدْتُ مِنْهُ لِتَسْتَقِيمَ الْعِبَارَةُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>