للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَامًّا مِنْ جُمْهُورِ بَنِي آدَمَ، بَلِ الْمُسْلِمُ يَكُونُ أَسِيرًا أَوْ مُنْفَرِدًا (١) فِي بِلَادِ الْكُفْرِ، وَلَا أَحَدَ يُكْرِهُهُ عَلَى كَلِمَةِ الْكُفْرِ، وَلَا يَقُولُهَا، وَلَا يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ، وَقَدْ يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يَلِينَ لِنَاسٍ مِنَ الْكُفَّارِ لِيَظُنُّوهُ مِنْهُمْ، وَهُوَ مَعَ هَذَا لَا يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ، بَلْ يَكْتُمُ مَا فِي قَلْبِهِ.

وَفَرْقٌ بَيْنَ الْكَذِبِ وَبَيْنَ الْكِتْمَانِ. فَكِتْمَانُ مَا فِي النَّفْسِ يَسْتَعْمِلُهُ الْمُؤْمِنُ حَيْثُ يَعْذُرُهُ اللَّهُ فِي الْإِظْهَارِ، كَمُؤْمِنِ آلِ فِرْعَوْنَ. وَأَمَّا الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِالْكُفْرِ، فَلَا يَعْذُرُهُ إِلَّا إِذَا أُكْرِهَ. وَالْمُنَافِقُ الْكَذَّابُ لَا يُعْذَرُ بِحَالٍ، وَلَكِنْ فِي الْمَعَارِيضِ مَنْدُوحَةٌ عَنِ الْكَذِبِ. ثُمَّ ذَلِكَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي يَكْتُمُ إِيمَانَهُ يَكُونُ بَيْنَ الْكُفَّارِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ دِينَهُ، وَهُوَ مَعَ هَذَا مُؤْمِنٌ عِنْدَهُمْ يُحِبُّونَهُ وَيُكْرِمُونَهُ ; لِأَنَّ الْإِيمَانَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ يُوجِبُ أَنْ يُعَامِلَهُمْ بِالصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ وَالنُّصْحِ، وَإِرَادَةِ الْخَيْرِ بِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُوَافِقًا لَهُمْ عَلَى دِينِهِمْ، كَمَا كَانَ يُوسُفُ الصِّدِّيقُ يَسِيرُ فِي أَهْلِ مِصْرَ وَكَانُوا كُفَّارًا، وَكَمَا كَانَ مُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ، وَمَعَ هَذَا كَانَ يُعَظِّمُ مُوسَى وَيَقُولُ: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} [سُورَةُ غَافِرٍ: ٢] .

وَأَمَّا الرَّافِضِيُّ فَلَا يُعَاشِرُ أَحَدًا إِلَّا اسْتَعْمَلَ مَعَهُ النِّفَاقَ، فَإِنَّ دِينَهُ الَّذِي فِي قَلْبِهِ دِينٌ فَاسِدٌ، يَحْمِلُهُ عَلَى الْكَذِبِ وَالْخِيَانَةِ، وَغِشِّ النَّاسِ، وَإِرَادَةِ السُّوءِ بِهِمْ، فَهُوَ لَا يَأْلُوهُمْ خَبَالًا، وَلَا يَتْرُكُ شَرًّا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا فَعَلَهُ بِهِمْ، وَهُوَ مَمْقُوتٌ عِنْدَ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ أَنَّهُ رَافِضِيٌّ تَظْهَرُ عَلَى وَجْهِهِ سِيمَا النِّفَاقِ وَفِي لَحْنِ الْقَوْلِ، وَلِهَذَا تَجِدُهُ يُنَافِقُ ضُعَفَاءَ النَّاسِ وَمَنْ لَا حَاجَةَ بِهِ إِلَيْهِ، لِمَا فِي قَلْبِهِ مِنَ النِّفَاقِ الَّذِي يُضْعِفُ قَلْبَهُ.


(١) عِبَارَةُ " أَوْ مُنْفَرِدًا " سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) .

<<  <  ج: ص:  >  >>