للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا اللَّفْظُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ لَا يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ. قَالَ تَعَالَى فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} [سُورَةُ النُّورِ: ١٢] ، وَلَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ مُتَسَاوِينَ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قِصَّةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: ٥٤] ، أَيْ: يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونُوا مُتَسَاوِينَ، وَلَا أَنْ يَكُونَ مَنْ عَبَدَ الْعِجْلَ مُسَاوِيًا لِمَنْ لَمْ يَعْبُدْهُ. وَكَذَلِكَ قَدْ قِيلَ فِي قَوْلِهِ: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: ٢٩] أَيْ: لَا يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَإِنْ كَانُوا غَيْرَ مُتَسَاوِينَ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: ١١] : أَيْ لَا يَلْمِزُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ; فَيَطْعَنُ عَلَيْهِ وَيَعِيبُهُ. وَهَذَا نَهْيٌ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْ لَا يَفْعَلَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضِ هَذَا الطَّعْنَ وَالْعَيْبَ، مَعَ أَنَّهُمْ غَيْرُ مُتَسَاوِينَ لَا فِي الْأَحْكَامِ، وَلَا فِي الْفَضِيلَةِ وَلَا الظَّالِمُ كَالْمَظْلُومِ، وَلَا الْإِمَامُ كَالْمَأْمُومِ. وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: ٨٥] : أَيْ يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا. وَإِذَا كَانَ اللَّفْظُ فِي قَوْلِهِ: {وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ} كَاللَّفْظِ فِي قَوْلِهِ: {وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: ١١] ، {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} [سُورَةُ النُّورِ: ١٢] وَنَحْوَ ذَلِكَ، مَعَ أَنَّ التَّسَاوِيَ هُنَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ بَلْ مُمْتَنِعٍ، فَكَذَلِكَ هُنَاكَ وَأَشَدُّ. بَلْ هَذَا اللَّفْظُ يَدُلُّ عَلَى الْمُجَانَسَةِ وَالْمُشَابَهَةِ. وَالتَّجَانُسُ وَالْمُشَابَهَةُ يَكُونُ بِالِاشْتِرَاكِ

<<  <  ج: ص:  >  >>