للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} الْآيَةَ [سُورَةُ فَاطِرٍ: ٣٢] .

وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ هُمُ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلُوا، الَّذِينَ هُمْ أَفْضَلُ مِمَّنْ أَنْفَقَ مِنْ بَعْدِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ وَدَخَلَ فِيهِمْ أَهْلُ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، وَكَانُوا أَكْثَرَ مِنْ أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، فَكَيْفَ يُقَالُ: إِنَّ سَابِقَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَاحِدٌ؟ !

الرَّابِعُ: قَوْلُهُ: " وَهَذِهِ الْفَضِيلَةُ لَمْ تَثْبُتْ لِغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ " مَمْنُوعٌ ; فَإِنَّ النَّاسَ مُتَنَازِعُونَ فِي أَوَّلِ مَنْ أَسْلَمَ، فَقِيلَ: أَبُو بَكْرٍ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ، فَهُوَ أَسْبَقُ إِسْلَامًا مِنْ عَلِيٍّ. وَقِيلَ: إِنَّ عَلِيًّا أَسْلَمَ قَبْلَهُ. لَكِنْ عَلِيٌّ كَانَ صَغِيرًا، وَإِسْلَامُ الصَّبِيِّ فِيهِ نِزَاعٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ. وَلَا نِزَاعَ فِي أَنَّ إِسْلَامَ أَبِي بَكْرٍ أَكْمَلُ وَأَنْفَعُ، فَيَكُونُ هُوَ أَكْمَلَ سَبْقًا بِالِاتِّفَاقِ، وَأَسْبَقَ عَلَى الْإِطْلَاقِ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ. فَكَيْفَ يُقَالُ: عَلِيٌّ أَسْبَقُ مِنْهُ بِلَا حُجَّةٍ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ.

الْخَامِسُ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فَضَّلَتِ السَّابِقِينَ (١) الْأَوَّلِينَ، وَلَمْ تَدُلَّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ أَسْبَقَ إِلَى الْإِسْلَامِ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ. وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السَّابِقِينَ أَفْضَلُ - قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [سُورَةُ الْحَدِيدِ: ١٠] ، فَالَّذِينَ سَبَقُوا إِلَى الْإِنْفَاقِ وَالْقِتَالِ قَبْلَ الْحُدَيْبِيَةِ أَفْضَلُ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ، فَإِنَّ الْفَتْحَ فَسَّرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحُدَيْبِيَةِ.

وَإِذَا كَانَ أُولَئِكَ السَّابِقُونَ قَدْ سَبَقَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَى الْإِسْلَامِ، فَلَيْسَ


(١) س، ب: أَنَّ هَذِهِ الْأَفْضَلِيَّةَ لِلسَّابِقِينَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>