للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَتَصَدَّقَ، فَلَهُ نِيَّتُهُ وَأَجْرُهُ، وَمَنْ لَمْ يَعْرِضْ لَهُ سَبَبٌ يُنَاجِي لِأَجْلِهِ لَمْ يُجْعَلْ نَاقِصًا، وَلَكِنْ مَنْ عَرَضَ لَهُ سَبَبٌ اقْتَضَى الْمُنَاجَاةَ فَتَرَكَهُ بُخْلًا، فَهَذَا قَدْ تَرَكَ الْمُسْتَحَبَّ. وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُشْهَدَ عَلَى الْخُلَفَاءِ أَنَّهُمْ كَانُوا مِنْ هَذَا الضَّرْبِ، وَلَا يُعْلَمُ أَنَّهُمْ كَانُوا ثَلَاثَتُهُمْ (١) حَاضِرِينَ عِنْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ، بَلْ يُمْكِنُ غَيْبَةُ بَعْضِهِمْ، وَيُمْكِنُ حَاجَةُ بَعْضِهِمْ، وَيُمْكِنُ عَدَمُ الدَّاعِي إِلَى الْمُنَاجَاةِ.

وَلَمْ يَطُلْ زَمَانُ عَدَمِ نَسْخِ الْآيَةِ، حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّ الزَّمَانَ الطَّوِيلَ لَا بُدَّ أَنْ تَعْرِضَ فِيهِ حَاجَةٌ إِلَى الْمُنَاجَاةِ.

وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمْ تَرْكَ الْمُسْتَحَبَّ، فَقَدْ بَيَّنَّا غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ مَنْ فَعَلَ مُسْتَحَبًّا لَمْ يَجِبْ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ مُطْلَقًا.

وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأَصْحَابِهِ: مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا؟ " فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا. قَالَ: " فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمْ جِنَازَةً؟ " قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا. قَالَ: " هَلْ فِيكُمْ مَنْ عَادَ مَرِيضًا؟ " قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا. قَالَ: " هَلْ فِيكُمْ مَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ؟ " فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا. قَالَ: " مَا اجْتَمَعَ لِعَبْدٍ هَذِهِ الْخِصَالُ إِلَّا وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ» (٢) . وَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ لَمْ يُنْقَلْ مِثْلُهَا لِعَلِيٍّ وَلَا غَيْرِهِ فِي يَوْمٍ.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ دُعِيَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ: يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ، فَإِنْ كَانَ مِنْ


(١) ب: أَنَّهُمْ ثَلَاثَتُهُمْ كَانُوا.
(٢) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مُسْلِمٍ ٢/٧١٣ (كِتَابُ الزَّكَاةِ بَابُ مَنْ جَمَعَ الصَّدَقَةَ وَأَعْمَالَ الْبِرِّ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>