للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَيْضًا فَكَانَ مِنَ الْعَرَبِ مَنِ ارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ، وَلَمْ يَتَّبِعْ مُتَنَبِّئًا كَذَّابًا.

وَمِنْهُمْ قَوْمٌ أَقَرُّوا بِالشَّهَادَتَيْنِ، لَكِنِ امْتَنَعُوا مِنْ أَحْكَامِهِمَا كَمَانِعِي الزَّكَاةِ. وَقِصَصُ هَؤُلَاءِ مَشْهُورَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ يَعْرِفُهَا كُلُّ مَنْ لَهُ بِهَذَا الْبَابِ أَدْنَى مَعْرِفَةٍ.

وَالْمُقَاتِلُونَ لِلْمُرْتَدِّينَ [هُمْ مِنَ الَّذِينَ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ وَيُحِبُّونَهُ] (١) ، وَهُمْ أَحَقُّ النَّاسِ بِالدُّخُولِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَكَذَلِكَ الَّذِينَ قَاتَلُوا سَائِرَ الْكُفَّارِ مِنَ الرُّومِ وَالْفُرْسِ. وَهَؤُلَاءِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَنِ اتَّبَعَهُمَا مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ وَغَيْرِهِمْ. وَلِهَذَا رُوِيَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَمَّا نَزَلَتْ سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ هَؤُلَاءِ، فَأَشَارَ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَقَالَ: " هُمْ قَوْمُ هَذَا " (٢) .

فَهَذَا أَمْرٌ يُعْرَفُ بِالتَّوَاتُرِ وَالضَّرُورَةِ: أَنَّ الَّذِينَ أَقَامُوا الْإِسْلَامَ وَثَبَتُوا عَلَيْهِ حِينَ الرِّدَّةِ، وَقَاتَلُوا الْمُرْتَدِّينَ وَالْكُفَّارَ، هُمْ دَاخِلُونَ فِي قَوْلِهِ: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: ٥٤] .

وَأَمَّا عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ مِمَّنْ يُحِبُّ اللَّهَ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ، لَكِنْ لَيْسَ بِأَحَقَّ بِهَذِهِ الصِّفَةِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَلَا * كَانَ جِهَادُهُ لِلْكُفَّارِ وَالْمُرْتَدِّينَ أَعْظَمَ مِنْ جِهَادِ هَؤُلَاءِ، وَلَا حَصَلَ بِهِ مِنَ الْمَصْلَحَةِ لِلدِّينِ أَعْظَمُ * (٣) مِمَّا حَصَلَ بِهَؤُلَاءِ، بَلْ كُلٌّ مِنْهُمْ لَهُ سَعْيٌ مَشْكُورٌ وَعَمَلٌ مَبْرُورٌ وَآثَارٌ صَالِحَةٌ فِي الْإِسْلَامِ، وَاللَّهُ يَجْزِيهِمْ عَنِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ خَيْرَ جَزَاءٍ، فَهُمُ


(١) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: وَمِنَ الْمُقَاتِلِينَ لِلْمُرْتَدِّينَ، وَهُمْ أَحَقُّ النَّاسِ، إِلَخْ، وَالْكَلَامُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، وَلَعَلَّ مَا أَثْبَتُّهُ تَسْتَقِيمُ بِهِ الْعِبَارَةُ.
(٢) ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ ١٠/٤١٤ - ٤١٥ " وَانْظُرْ تَعْلِيقَ الْمُحَقِّقِ ".
(٣) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م)

<<  <  ج: ص:  >  >>