يُرِدْ أَنَّهُمَا مِثْلُهُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ لَكِنْ فِيمَا دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ مِنَ الشِّدَّةِ فِي اللَّهِ، وَاللِّينِ فِي اللَّهِ.
وَكَذَلِكَ هُنَا إِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ فِيمَا دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ، وَهُوَ اسْتِخْلَافُهُ فِي مَغِيبِهِ كَمَا اسْتَخْلَفَ مُوسَى هَارُونَ، وَهَذَا الِاسْتِخْلَافُ لَيْسَ مِنْ خَصَائِصِ عَلِيٍّ، بَلْ وَلَا هُوَ مِثْلُ اسْتِخْلَافَاتِهِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ مِنْهَا، وَقَدِ اسْتَخْلَفَ مِنْ عَلِيٍّ أَفْضَلَ مِنْهُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْغَزَوَاتِ، وَلَمْ تَكُنْ تِلْكَ الِاسْتِخْلَافَاتُ تُوجِبُ تَقْدِيمَ الْمُسْتَخْلَفِ عَلَى عَلِيٍّ إِذَا قَعَدَ مَعَهُ فَكَيْفَ يَكُونُ مُوجِبًا لِتَفْضِيلِهِ عَلَى عَلِيٍّ؟
بَلْ قَدِ اسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ غَيْرَ وَاحِدٍ، وَأُولَئِكَ الْمُسْتَخْلَفُونَ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى مِنْ جِنْسِ اسْتِخْلَافِ عَلِيٍّ، بَلْ كَانَ ذَلِكَ الِاسْتِخْلَافُ يَكُونُ عَلَى أَكْثَرَ وَأَفْضَلَ مِمَّنِ اسْتَخْلَفَ عَلَيْهِ عَامَ تَبُوكَ، وَكَانَتِ الْحَاجَةُ إِلَى الِاسْتِخْلَافِ أَكْثَرَ فَإِنَّهُ كَانَ يَخَافُ مِنَ الْأَعْدَاءِ عَلَى الْمَدِينَةِ.
فَأَمَّا عَامُ (١) تَبُوكَ فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ أَسْلَمَتِ الْعَرَبُ بِالْحِجَازِ، وَفُتِحَتْ مَكَّةُ، وَظَهَرَ الْإِسْلَامُ وَعَزَّ، وَلِهَذَا أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنْ يَغْزُوَ أَهْلَ الْكِتَابِ بِالشَّامِ، وَلَمْ تَكُنِ الْمَدِينَةُ تَحْتَاجُ إِلَى مَنْ يُقَاتِلُ بِهَا الْعَدُوَّ، وَلِهَذَا لَمْ يَدَعِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ عَلِيٍّ أَحَدًا مِنَ الْمُقَاتِلَةِ كَمَا كَانَ يَدَعُ بِهَا فِي سَائِرِ الْغَزَوَاتِ، بَلْ أَخَذَ الْمُقَاتِلَةَ كُلَّهُمْ مَعَهُ.
وَتَخْصِيصُهُ لِعَلِيٍّ بِالذِّكْرِ هُنَا هُوَ مَفْهُومُ اللَّقَبِ، وَهُوَ نَوْعَانِ: لَقَبٌ هُوَ جِنْسٌ، وَلَقَبٌ يَجْرِي مَجْرَى الْعِلْمِ، مِثْلَ زَيْدٍ، وَأَنْتَ، وَهَذَا الْمَفْهُومُ
(١) ن، م: فَأَقَامَ عَامَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute