عَلَى اسْتِخْلَافِ أَبِي بَكْرٍ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ يَدُلُّ عَلَى اسْتِخْلَافِ عَلِيٍّ، وَلَا الْعَبَّاسِ، بَلْ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْتَخْلِفْ وَاحِدًا مِنْهُمَا، فَيُقَالُ حِينَئِذٍ: إِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَخْلَفَ أَحَدًا فَلَمْ يَسْتَخْلِفْ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ أَحَدًا فَلَا هَذَا، وَلَا هَذَا.
فَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ الِاسْتِخْلَافِ وَاجِبًا عَلَى الرَّسُولِ لَمْ يَسْتَخْلِفْ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّ جَمِيعَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَالسِّيرَةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْأَحَادِيثَ الثَّابِتَةَ لَا تَدُلُّ عَلَى اسْتِخْلَافِ غَيْرِ أَبِي بَكْرٍ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ مَا يَدُلُّ مِنْهَا عَلَى اسْتِخْلَافِ أَبِي بَكْرٍ، وَهَذَا مَعْلُومٌ بِالِاضْطِرَارِ عِنْدَ الْعَالِمِ بِالْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ نَقُولَ: أَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ بِالْقِيَاسِ، وَهَذَا احْتِجَاجٌ بِالْقِيَاسِ حَيْثُ قِسْتُمُ الِاسْتِخْلَافَ فِي الْمَمَاتِ عَلَى الِاسْتِخْلَافِ فِي الْمَغِيبِ، وَأَمَّا نَحْنُ إِذَا فَرَضْنَا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَنَقُولُ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ فِي اسْتِخْلَافِ عُمَرَ فِي حَيَاتِهِ، وَتَوَقُّفِهِ فِي الِاسْتِخْلَافِ بَعْدَ مَوْتِهِ ; لِأَنَّ الرَّسُولَ فِي حَيَاتِهِ شَاهِدٌ عَلَى الْأُمَّةِ (١) مَأْمُورٌ بِسِيَاسَتِهَا بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ، وَبَعْدَ مَوْتِهِ انْقَطَعَ عَنْهُ التَّكْلِيفُ.
كَمَا قَالَ الْمَسِيحُ: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ} (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: ١١٧) الْآيَةَ، لَمْ يَقُلْ: كَانَ خَلِيفَتِي الشَّهِيدَ عَلَيْهِمْ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَسِيحَ لَمْ يَسْتَخْلِفْ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمُ الِاسْتِخْلَافُ بَعْدَ الْمَوْتِ.
وَكَذَلِكَ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " فَأَقُولُ كَمَا قَالَ
(١) م: عَلَى الْإِمَامَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute