للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنْ يُقَالَ " هَبْ أَنَّ الِاسْتِخْلَافَ وَاجِبٌ (١) ، فَقَدِ اسْتَخْلَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ اسْتَخْلَفَهُ، وَدَلَّ عَلَى اسْتِخْلَافِهِ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ.

وَقَوْلُهُ: " لِأَنَّهُ لَمْ يَعْزِلْهُ عَنِ الْمَدِينَةِ ".

قُلْنَا هَذَا بَاطِلٌ، فَإِنَّهُ لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْعَزَلَ عَلِيٌّ بِنَفْسِ رُجُوعِهِ، كَمَا كَانَ غَيْرُهُ يَنْعَزِلُ إِذَا رَجَعَ، وَقَدْ أَرْسَلَهُ بَعْدَ هَذَا إِلَى الْيَمَنِ حَتَّى وَافَاهُ بِالْمَوْسِمِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ غَيْرَهُ.

أَفَتَرَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا مُقِيمًا وَعَلِيٌّ بِالْيَمَنِ، وَهُوَ خَلِيفَةٌ بِالْمَدِينَةِ؟ !

وَلَا رَيْبَ أَنَّ كَلَامَ هَؤُلَاءِ كَلَامُ جَاهِلٍ بِأَحْوَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَأَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّ عَلِيًّا مَا زَالَ خَلِيفَةً عَلَى الْمَدِينَةِ حَتَّى مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ عَلِيًّا بَعْدَ ذَلِكَ (٢) أَرْسَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَةَ تِسْعٍ مَعَ أَبِي بَكْرٍ لِنَبْذِ الْعُهُودِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِ أَبَا بَكْرٍ، ثُمَّ بَعْدَ رُجُوعِهِ مَعَ أَبِي بَكْرٍ أَرْسَلَهُ إِلَى الْيَمَنِ، كَمَا أَرْسَلَ مُعَاذًا، وَأَبَا مُوسَى.

، ثُمَّ لَمَّا حَجَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ اسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ غَيْرَ عَلِيٍّ، وَوَافَاهُ عَلِيٌّ بِمَكَّةَ، وَنَحَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةَ بَدَنَةٍ نَحَرَ بِيَدِهِ ثُلُثَيْهَا، وَنَحَرَ عَلِيٌّ ثُلُثَهَا.

وَهَذَا كُلُّهُ مَعْلُومٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَهُمْ، وَتَوَاتَرَتْ بِهِ


(١) م: وَجَبَ
(٢) س، ب: وَلَمْ يَعْلَمُوا بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ عَلِيًّا

<<  <  ج: ص:  >  >>