للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّامِنُ: أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْمُؤَاخَاةِ، وَأَنَّ فِيهَا عُمُومًا وَإِطْلَاقًا لَا يَقْتَضِي الْأَفْضَلِيَّةَ وَالْإِمَامَةَ، وَأَنَّ مَا ثَبَتَ لِلصِّدِّيقِ مِنَ الْفَضِيلَةِ لَا يُشْرِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ كَقَوْلِهِ: «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا» (١) ، وَإِخْبَارُهُ: أَنَّ أَحَبَّ الرِّجَالِ إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ، وَشَهَادَةُ الصَّحَابَةِ لَهُ (٢) أَنَّهُ أَحَبُّهُمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِمَا رَوَى مِنَ الْمُؤَاخَاةِ بَاطِلٌ نَقْلًا وَدَلَالَةً.

التَّاسِعُ: أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ الْمُؤَاخَاةَ، وَقَعَتْ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ ; لِأَنَّهُ رُوِيَ فِيهَا أَحَادِيثُ، لَكِنَّ الصَّوَابَ الْمَقْطُوعَ بِهِ أَنَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ، وَكُلُّ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ رِوَايَةِ مَنْ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَخْطَأَ فِيهِ، وَلِهَذَا لَمْ يُخَرِّجْ أَهْلُ الصَّحِيحِ * شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ.

وَالَّذِي فِي الصَّحِيحِ إِنَّمَا هُوَ الْمُؤَاخَاةُ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَوْ آخَى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ، وَبَيْنَ الْأَنْصَارِ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ لَكَانَ هَذَا مِمَّا تَتَوَفَّرُ الْهِمَمُ، وَالدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ، وَلَكَانَ يُذْكَرُ فِي أَحَادِيثِ (٣) الْمُؤَاخَاةِ، وَيُذْكَرُ كَثِيرًا فَكَيْفَ، وَلَيْسَ فِي هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَلَا خَرَّجَ أَهْلُ الصَّحِيحِ * (٤) مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا.

وَهَذِهِ الْأُمُورُ يَعْرِفُهَا مَنْ كَانَ لَهُ خِبْرَةٌ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَالسِّيرَةِ (٥)


(١) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى ١/٥١٢
(٢) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م)
(٣) ن: حَدِيثٌ
(٤) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب)
(٥) س، ب: وَالسِّيَرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>