للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الْمُسْتَقِيلِ أَوْ كَانَ مَعْدُومًا، لَمْ يَكُنْ أَزَلِيًّا أَبَدِيًّا [قَدِيمًا] (١) وَاجِبًا بِغَيْرِهِ دَائِمًا، كَمَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ فِي الْعَالَمِ.

فَإِنْ أُرِيدَ بِقَبُولِ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ فَهُوَ مُمْتَنَعٌ. وَإِنْ أُرِيدَ فِي الْحَالَيْنِ (٢) : أَيْ يَقْبَلُ الْوُجُودَ تَارَةً وَالْعَدَمَ أُخْرَى (٣) ، امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ أَزَلِيًّا أَبَدِيًّا لِتَعَاقُبِ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ عَلَيْهِ. وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّ ذَاتَهُ الَّتِي تَقْبَلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ شَيْءٌ غَيْرُ الْوُجُودِ فِي الْخَارِجِ، فَذَاكَ لَيْسَ بِذَاتِهِ.

وَإِنْ قِيلَ: يُرِيدُ بِهِ أَنَّ مَا يَتَصَوَّرُهُ فِي النَّفْسِ يُمْكِنُ أَنْ يَصِيرَ مَوْجُودًا فِي الْخَارِجِ وَمَعْدُومًا، كَمَا يَتَصَوَّرُهُ الْإِنْسَانُ فِي نَفْسِهِ مِنَ الْأُمُورِ.

قِيلَ: هَذَا أَيْضًا يُبَيِّنُ أَنَّ الْإِمْكَانَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْعَدَمِ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرْتُمُوهُ إِنَّمَا هُوَ فِي شَيْءٍ يَتَصَوَّرُهُ الْفَاعِلُ فِي نَفْسِهِ، يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَهُ مَوْجُودًا فِي الْخَارِجِ وَيُمْكِنَ أَنْ يَبْقَى مَعْدُومًا، وَهَذَا إِنَّمَا يُعْقَلُ فِيمَا يُعْدَمُ تَارَةً وَيُوجَدُ أُخْرَى، وَأَمَّا مَا لَمْ يَزَلْ مَوْجُودًا وَاجِبًا (٤) بِغَيْرِهِ، فَهَذَا لَا يُعْقَلُ فِيهِ الْإِمْكَانُ أَصْلًا، وَإِذَا قَالَ قَائِلٌ: ذَاتُهُ تَقْبَلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ، كَانَ مُتَكَلِّمًا بِمَا لَا يُعْقَلُ.

وَهَذَا الْمَوْضِعُ قَدْ تَفَطَّنَ لَهُ أَذْكِيَاءُ النُّظَّارِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَهُ عَلَى ابْنِ سِينَا وَأَتْبَاعِهِ، كَمَا أَنْكَرَ ذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ. وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ هَذَا سُؤَالَاتٍ وَارِدَةٍ عَلَى الْمُمْكِنِ، كَمَا يَفْعَلُهُ الرَّازِيُّ وَأَتْبَاعُهُ، وَلَمْ يُجِيبُوا عَنْهُ (٥) بِجَوَابٍ صَحِيحٍ.


(١) قَدِيمًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(٢) ا، ب: فِي حَالَيْنِ.
(٣) ا، ب: تَارَةً.
(٤) ن، م: أَوْ وَاجِبًا.
(٥) ب: عَنْهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>