للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ إِنَّ الرَّافِضَةَ - أَوْ أَكْثَرَهُمْ - لِفَرْطِ جَهْلِهِمْ، وَضَلَالِهِمْ يَقُولُونَ: إِنَّهُمْ وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ كَانُوا كُفَّارًا مُرْتَدِّينَ، وَإِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى كَانُوا خَيْرًا مِنْهُمْ ; لِأَنَّ الْكَافِرَ الْأَصْلِيَّ خَيْرٌ مِنَ الْمُرْتَدِّ، وَقَدْ رَأَيْتُ هَذَا فِي عِدَّةٍ مِنْ كُتُبِهِمْ، وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ أَعْظَمِ الْأَقْوَالِ افْتِرَاءً عَلَى أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ، وَحِزْبِ اللَّهِ الْمُفْلِحِينَ، وَجُنْدِ اللَّهِ الْغَالِبِينَ.

وَمِنَ الدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى فَسَادِهِ أَنْ يُقَالَ: مِنَ الْمَعْلُومِ بِالِاضْطِرَارِ، وَالْمُتَوَاتِرِ مِنَ الْأَخْبَارِ، أَنَّ الْمُهَاجِرِينَ هَاجَرُوا مِنْ مَكَّةَ وَغَيْرِهَا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَهَاجَرَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ كَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَجَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ هِجْرَتَيْنِ: هِجْرَةً إِلَى الْحَبَشَةِ، وَهِجْرَةً إِلَى الْمَدِينَةِ، وَكَانَ الْإِسْلَامُ إِذْ ذَاكَ قَلِيلًا، وَالْكُفَّارُ مُسْتَوْلُونَ عَلَى عَامَّةِ الْأَرْضِ، وَكَانُوا يُؤْذَوْنَ بِمَكَّةَ، وَيَلْقَوْنَ مِنْ أَقَارِبِهِمْ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْأَذَى مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، وَهُمْ صَابِرُونَ عَلَى الْأَذَى، مُتَجَرِّعُونَ لِمَرَارَةِ الْبَلْوَى، وَفَارَقُوا الْأَوْطَانَ، وَهَجَرُوا الْخِلَّانَ لِمَحَبَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ، كَمَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (سُورَةِ الْحَشْرِ: ٨) .

وَهَذَا كُلُّهُ فَعَلُوهُ طَوْعًا وَاخْتِيَارًا مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ لَمْ يُكْرِهْهُمْ عَلَيْهِ مُكْرِهٌ، * وَلَا أَلْجَأَهُمْ إِلَيْهِ أَحَدٌ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلْإِسْلَامِ إِذْ ذَاكَ مِنَ الْقُوَّةِ مَا يُكْرَهُ * (١) بِهِ أَحَدٌ عَلَى الْإِسْلَامِ (٢) ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ ذَاكَ - هُوَ وَمَنِ اتَّبَعَهُ - مَنْهِيِّينَ عَنِ الْقِتَالِ، مَأْمُورِينَ بِالصَّفْحِ وَالصَّبْرِ فَلَمْ يُسْلِمْ


(١) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب)
(٢) ن، س، ب: بِهِ أَحَدٌ مِنَ الْإِسْلَامِ: وَالْمُثْبَتُ مِنْ (م)

<<  <  ج: ص:  >  >>