للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَقْضِي لَهُ بِنَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ بِشَيْءٍ فَلَا يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعَ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ» " (١) .

فَقَدْ أَخْبَرَ سَيِّدُ الْقُضَاةِ أَنَّ قَضَاءَهُ لَا يُحِلُّ الْحَرَامَ. وَعِلْمُ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ يَتَنَاوَلُ الظَّاهِرَ وَالْبَاطِنَ، فَكَانَ الْأَعْلَمُ بِهِ أَعْلَمَ بِالدِّينِ.

وَأَيْضًا فَالْقَضَاءُ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: الْحُكْمُ عِنْدَ تَجَاحُدِ الْخَصْمَيْنِ، مِثْلُ أَنْ يَدَّعِيَ أَحَدُهُمَا أَمْرًا يُنْكِرُهُ الْآخَرُ فَيُحْكَمُ فِيهِ بِالْبَيِّنَةِ وَنَحْوِهَا.

وَالثَّانِي: مَا لَا يَتَجَاحَدَانِ فِيهِ، بَلْ يَتَصَادَقَانِ لَكِنْ لَا يَعْلَمَانِ مَا يَسْتَحِقُّ كُلٌّ مِنْهُمَا، كَتَنَازُعِهِمَا فِي قِسْمَةِ فَرِيضَةٍ، أَوْ فِيمَا يَجِبُ لِكُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ، أَوْ فِيمَا يَسْتَحِقُّهُ كُلٌّ مِنَ الْمُتَشَارِكَيْنِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.

فَهَذَا الْبَابُ هُوَ مِنْ بَابِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، فَإِذَا أَفْتَاهُمَا مَنْ يَرْضِيَانِ بِقَوْلِهِ كَفَاهُمَا، وَلَمْ يَحْتَاجَا إِلَى مَنْ يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا، وَإِنَّمَا يَحْتَاجَانِ إِلَى الْحَاكِمِ عِنْدَ التَّجَاحُدِ، وَذَلِكَ غَالِبًا إِنَّمَا يَكُونُ مَعَ الْفُجُورِ، وَقَدْ يَكُونُ مَعَ النِّسْيَانِ.

فَمَا لَا يَخْتَصُّ بِالْقَضَاءِ لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ إِلَّا قَلِيلٌ مِنَ الْأَبْرَارِ فَأَمَّا الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ، فَيَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، وَلِهَذَا لَمَّا أَمَرَ أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ أَنْ يَقْضِيَ بَيْنَ النَّاسِ مَكَثَ (٢) سَنَةً لَمْ يَتَحَاكَمْ إِلَيْهِ اثْنَانِ.

وَلَوْ عُدَّ مَجْمُوعُ مَا قَضَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ لَمْ يَبْلُغْ عَشْرَ حُكُومَاتٍ، فَأَيْنَ هَذَا مِنْ كَلَامِهِ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ الَّذِي هُوَ قِوَامُ دِينِ الْإِسْلَامِ؟


(١) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى ٦/٤١٢
(٢) ن، س: فَمَكَثَ

<<  <  ج: ص:  >  >>