للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَيْسَ فِي الْخُطَبِ الثَّابِتَةِ عَنْ عَلِيٍّ شَيْءٌ مِنْ أُصُولِ الْمُعْتَزِلَةِ الْخَمْسَةِ، بَلْ كُلُّ ذَلِكَ إِذَا نُقِلَ عَنْهُ فَهُوَ كَذِبٌ عَلَيْهِ. وَقُدَمَاءُ الْمُعْتَزِلَةِ لَمْ يَكُونُوا يُعَظِّمُونَ عَلِيًّا، بَلْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَشُكُّ فِي عَدَالَتِهِ، وَيَقُولُ: قَدْ فَسَقَ عِنْدَ إِحْدَى (١) الطَّائِفَتَيْنِ لَا بِعَيْنِهَا: إِمَّا عَلِيٌّ، وَإِمَّا طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ، فَإِذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا لَمْ أَقْبَلْ شَهَادَتَهُ، وَفِي قَبُولِ شَهَادَةِ عَلِيٍّ مُنْفَرِدَةً قَوْلَانِ لَهُمْ. وَهَذَا مَعْرُوفٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ وَأَمْثَالِهِ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ (٢) .

وَالشِّيعَةُ الْقُدَمَاءُ كُلُّهُمْ كَالْهِشَامَيْنِ (٣) وَغَيْرِهِمَا، يُثْبِتُونَ الصِّفَاتِ، وَيُقِرُّونَ بِالْقَدَرِ، عَلَى خِلَافِ قَوْلِ مُتَأَخِّرِي الشِّيعَةِ، بَلْ يُصَرِّحُونَ بِالتَّجْسِيمِ، وَيُحْكَى عَنْهُمْ فِيهِ شَنَاعَاتٌ، وَهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ أَخَذُوا ذَلِكَ عَنْ أَهْلِ الْبَيْتِ (٤) .


(١) م: عِنْدَ أَحَدِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(٢) يَقُولُ ابْنُ طَاهِرٍ الْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابِهِ " أُصُولِ الدِّينِ، (ص ٢٩٠ - ٢٩١) : وَقَالَ وَاصِلُ بْنُ عَطَاءٍ وَعَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ وَالنَّظَّامُ وَأَكْثَرُ الْقَدَرِيَّةِ: نَتَوَلَّى عَلِيًّا وَأَصْحَابَهُ عَلَى انْفِرَادِهِمْ، وَنَتَوَلَّى طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَأَتْبَاعَهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِمْ، وَلَكِنْ لَوْ شَهِدَ عَلِيٌّ مَعَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا، وَلَوْ شَهِدَ طَلْحَةُ أَوِ الزُّبَيْرُ مَعَ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا، وَلَوْ شَهِدَ عَلِيٌّ مَعَ طَلْحَةَ عَلَى بَاقَةِ بَقْلٍ لَمْ نَحْكُمْ بِشَهَادَتِهِمَا، لِأَنَّ أَحَدَهُمَا فَاسِقٌ، وَالْفَاسِقُ مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ وَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ وَلَا كَافِرٍ " وَانْظُرْ: مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ ٢/١٤٥.
(٣) ن، س، ب: كَالْهَاشِمِيِّينَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. وَالْمَقْصُودُ: هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ وَهِشَامُ بْنُ سَالِمٍ الْجَوَالِيقِيُّ.
(٤) ذَكَرَ الْأَشْعَرِيُّ فِي " مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ " ١/١٠٦ - ١٠٩ مَقَالَاتِ الرَّوَافِضِ فِي التَّجْسِيمِ وَقَسَّمَهُمْ فِي ذَلِكَ إِلَى سِتِّ فِرَقٍ وَذَكَرَ تَفْصِيلَ أَقْوَالِهِمْ، ثُمَّ قَالَ ١/١٠٩: " وَقَالُوا فِي التَّوْحِيدِ بِقَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْخَوَارِجِ، وَهَؤُلَاءِ قَوْمٌ مِنْ مُتَأَخِّرِيهِمْ. فَأَمَّا أَوَائِلُهُمْ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ مَا حَكَيْنَا عَنْهُمْ مِنَ التَّشْبِيهِ ". وَتَكَلَّمَ الْأَشْعَرِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ ١/١١٤ - ١١٥ عَلَى قَوْلِ الرَّافِضَةِ فِي أَعْمَالِ الْعِبَادِ فَقَالَ: إِنَّ الْفِرْقَةَ الْأُولَى فِرْقَةُ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ يَقُولُونَ: إِنَّ أَفْعَالَ الْإِنْسَانِ اخْتِيَارٌ لَهُ مِنْ وَجْهٍ وَاضْطِرَارٌ مِنْ وَجْهٍ. وَكَذَلِكَ الْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَا جَبْرَ، كَمَا قَالَ الْجَهْمِيُّ، وَلَا تَفْوِيضَ كَمَا قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ. وَأَمَّا الْفِرْقَةُ الثَّالِثَةُ مِنْهُمْ فَهُمْ " يَزْعُمُونَ أَنَّ أَعْمَالَ الْعِبَادِ غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ لِلَّهِ. وَهَذَا قَوْلُ قَوْمٍ يَقُولُونَ بِالِاعْتِزَالِ وَالْإِمَامَةِ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>