للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوُجُودِ، وَأَنْ لَا يَمْتَازَ عَنْهُ إِلَّا بِسَلْبِ الْأُمُورِ الثُّبُوتِيَّةِ.

وَالْكَمَالُ هُوَ فِي الْوُجُودِ لَا فِي الْعَدَمِ ; إِذِ الْعَدَمُ الْمَحْضُ لَا كَمَالَ فِيهِ، فَحِينَئِذٍ يَمْتَازُ عَنِ الْمُمْكِنَاتِ بِسَلْبِ جَمِيعِ الْكَمَالَاتِ، وَتَمْتَازُ عَنْهُ بِإِثْبَاتِ جَمِيعِ الْكَمَالَاتِ.

وَهَذَا غَايَةُ مَا يَكُونُ مِنْ تَعْظِيمِ الْمُمْكِنَاتِ فِي الْكَمَالِ وَالْوُجُودِ، وَوَصْفِ الْوُجُودِ الْوَاجِبِ بِالنَّقْصِ وَالْعَدَمِ.

وَأَيْضًا فَهَذَا الْوُجُودُ الَّذِي لَا يَمْتَازُ عَنْ غَيْرِهِ إِلَّا بِالْأُمُورِ الْعَدَمِيَّةِ (١) يَمْتَنِعُ وُجُودُهُ فِي الْخَارِجِ، بَلْ لَا يُمْكِنُ إِلَّا فِي الذِّهْنِ ; لِأَنَّهُ إِذَا شَارَكَ سَائِرَ الْمَوْجُودَاتِ فِي مُسَمَّى الْوُجُودِ كَانَ هَذَا كُلِّيًّا، وَالْوُجُودُ لَا يَكُونُ كُلِّيًّا إِلَّا فِي الذِّهْنِ، لَا فِي الْخَارِجِ، وَالْأُمُورُ الْعَدَمِيَّةُ الْمَحْضَةُ لَا تُوجِبُ ثُبُوتَهُ (٢) فِي الْخَارِجِ، فَإِنَّ مَا فِي الذِّهْنِ هُوَ بِسَلْبِ الْحَقَائِقِ الْخَارِجِيَّةِ عَنْهُ أَحَقُّ بِسَلْبِهَا (٣) عَمَّا فِي الْخَارِجِ، لَوْ كَانَ ذَلِكَ مُمْكِنًا فِي الْخَارِجِ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ مُمْتَنِعًا؟

فَإِذَا كَانَ الْكُلِّيُّ لَا يَكُونُ إِلَّا ذِهْنِيًّا، وَالْقَيْدُ الْعَدَمِيُّ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ كُلِّيًّا، ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ فِي الْخَارِجِ.

وَأَيْضًا فَإِنَّ مَا فِي الْخَارِجِ لَا يَكُونُ إِلَّا مُعَيَّنًا، لَهُ وُجُودٌ يَخُصُّهُ، فَمَا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي الذِّهْنِ.


(١) م: إِلَّا بِأُمُورِ الْعَدَمِ.
(٢) م: ثُبُوتًا.
(٣) س، ب: لِسَلْبِهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>