للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَشْجَعُ مِنْهُمْ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ قَدْ قَتَلَ بِيَدِهِ (١) ، أَكْثَرَ مِمَّا قَتَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَإِذَا كَانَتِ الشَّجَاعَةُ الْمَطْلُوبَةُ مِنَ الْأَئِمَّةِ شَجَاعَةَ الْقَلْبِ، فَلَا رَيْبَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ أَشْجَعَ مِنْ عُمَرَ، وَعُمَرَ أَشْجَعَ مِنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، وَهَذَا يَعْرِفُهُ مَنْ يَعْرِفُ سِيَرَهُمْ وَأَخْبَارَهُمْ ; فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَاشَرَ الْأَهْوَالَ الَّتِي كَانَ يُبَاشِرُهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَوَّلِ الْإِسْلَامِ إِلَى آخِرِهِ، وَلَمْ يَجْبُنْ وَلَمْ يَحْرَجْ وَلَمْ يَفْشَلْ، وَكَانَ يُقْدِمُ عَلَى الْمَخَاوِفِ: يَقِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَفْسِهِ، يُجَاهِدُ الْمُشْرِكِينَ تَارَةً بِيَدِهِ وَتَارَةً بِلِسَانِهِ وَتَارَةً بِمَالِهِ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مُقْدِمٌ.

وَكَانَ يَوْمَ بَدْرٍ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْعَرِيشِ، مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ الْعَدُوَّ يَقْصِدُونَ مَكَانَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ ثَابِتُ الْقَلْبِ، رَبِيطُ الْجَأْشِ، يُظَاهِرُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُعَاوِنُهُ، وَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْعُو رَبَّهُ وَيَسْتَغِيثُ وَيَقُولُ: " «اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ لَا تُعْبَدْ، اللَّهُمَّ، اللَّهُمَّ. . . " جَعَلَ (٢) أَبُو بَكْرٍ يَقُولُ لَهُ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ هَكَذَا مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ إِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ» (٣) .

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ يَقِينِ الصِّدِّيقِ، وَثِقَتِهِ بِوَعْدِ اللَّهِ، وَثَبَاتِهِ، وَشَجَاعَتِهِ: شَجَاعَةً إِيمَانِيَّةً (٤) زَائِدَةً عَلَى الشَّجَاعَةِ الطَّبِيعِيَّةِ.


(١) بِيَدِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) .
(٢) س، ب: وَجَعَلَ.
(٣) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى ٦/١٣٠ - ١٣١.
(٤) م: إِيمَانٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>