للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَحْتَاجُ إِلَى شَجَاعَةِ الْقَلْبِ، وَإِلَى الْقِتَالِ بِالْيَدِ. وَهُوَ إِلَى الرَّأْيِ وَالشَّجَاعَةِ فِي الْقَلْبِ فِي الرَّأْسِ الْمُطَاعِ أَحْوَجُ مِنْهُ إِلَى قُوَّةِ الْبَدَنِ، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مُقَدَّمَانِ فِي أَنْوَاعِ الْجِهَادِ غَيْرَ قِتَالِ الْبَدَنِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ (١) : " وَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِأَنَّ عَلِيًّا كَانَ أَكْثَرَ الصَّحَابَةِ جِهَادًا وَطَعْنًا فِي الْكُفَّارِ وَضَرْبًا، وَالْجِهَادُ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ. قَالَ (٢) : وَهَذَا خَطَأٌ ; لِأَنَّ الْجِهَادَ يَنْقَسِمُ أَقْسَامًا ثَلَاثَةً: أَحَدُهَا: الدُّعَاءُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِاللِّسَانِ. وَالثَّانِي: الْجِهَادُ عِنْدَ الْحَرْبِ بِالرَّأْيِ وَالتَّدْبِيرِ. وَالثَّالِثُ: الْجِهَادُ بِالْيَدِ فِي الطَّعْنِ وَالضَّرْبِ. فَوَجَدْنَا الْجِهَادَ بِاللِّسَانِ لَا يَلْحَقُ فِيهِ أَحَدٌ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ. أَمَّا أَبُو بَكْرٍ: فَإِنَّ أَكَابِرَ الصِّحَابِ أَسْلَمُوا عَلَى يَدَيْهِ، فَهَذَا أَفْضَلُ عَمَلٍ، وَلَيْسَ لَعَلِيٍّ مِنْ هَذَا كَثِيرُ حَظٍّ، وَأَمَّا عُمَرُ: فَإِنَّهُ مِنْ يَوْمِ أَسْلَمَ عَزَّ الْإِسْلَامُ، وَعُبِدَ اللَّهُ عَلَانِيَةً (٣) ، وَهَذَا أَعْظَمُ الْجِهَادِ. وَقَدِ انْفَرَدَ هَذَانِ الرَّجُلَانِ بِهَذَيْنِ الْجِهَادَيْنِ اللَّذَيْنِ لَا نَظِيرَ لَهُمَا، وَلَا حَظَّ لِعَلِيٍّ فِي هَذَا.

وَبَقِيَ الْقِسْمُ الثَّانِي، وَهُوَ الرَّأْيُ وَالْمَشُورَةُ (٤) ، فَوَجَدْنَاهُ خَالِصًا لِأَبِي بَكْرٍ ثُمَّ لِعُمَرَ.


(١) فِي كِتَابِهِ " الْفِصَلِ " ٤/٢١١ - ٢١٢.
(٢) الْفِصَلَ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ.
(٣) الْفَصْلُ: عَزَّ الْإِسْلَامُ، وَعُبِدَ اللَّهُ تَعَالَى بِمَكَّةَ جَهْرًا، وَجَاهَدَ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ بِيَدَيْهِ، فَضَرَبَ وَضُرِبَ حَتَّى مَلُّوهُ فَتَرَكُوهُ، فَعُبِدَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَانِيَةً
(٤) ن، م، س: وَالْمَشْهُورُ. وَفِي هَامِشِ (س) كُتِبَ: " كَذَا فِي الْأَصْلِ ". وَفِي (ب) : وَالتَّدْبِيرُ. وَالْمُثْبَتُ مِنَ " الْفِصَلِ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>