للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ نُفَاةِ الْقَدَرِ، أَنَّهُ يَجِبُ وُجُودُ الْمَفْعُولِ (١) عِنْدَ وُجُودِ الْمُقْتَضَى التَّامِّ، وَهُوَ الْإِرَادَةُ الْجَازِمَةُ وَالْقُدْرَةُ التَّامَّةُ.

وَطَائِفَةٌ [أُخْرَى] (٢) مِنْ مُثْبِتَةِ الْقَدَرِ: الْجَهْمِيَّةُ وَمُوَافِقِيهِمْ، وَمِنْ نُفَاةِ الْقَدَرِ: الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ لَا تُوجِبُ (٣) ذَلِكَ، بَلْ يَقُولُونَ: الْقَادِرُ هُوَ الَّذِي يَفْعَلُ عَلَى وَجْهِ الْجَوَازِ لَا عَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ، وَيَجْعَلُونَ هَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُوجِبِ بِالذَّاتِ. وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إِنَّ الْقَادِرَ الْمُخْتَارَ يُرَجِّحُ أَحَدَ مَقْدُورَيْهِ عَلَى الْآخَرِ بِلَا مُرَجِّحٍ، كَالْجَائِعِ مَعَ الرَّغِيفَيْنِ وَالْهَارِبِ مَعَ الطَّرِيقَيْنِ.

ثُمَّ الْقَدَرِيَّةُ مِنْ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: الْعَبْدُ قَادِرٌ يُرَجِّحُ أَحَدَ مَقْدُورَيْهِ بِلَا مُرَجِّحٍ، كَمَا يَقُولُونَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الرَّبِّ. وَلِهَذَا كَانَ [مِنْ] (٤) قَوْلِ هَؤُلَاءِ الْقَدَرِيَّةِ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْعِمْ عَلَى أَهْلِ الطَّاعَةِ بِنِعَمٍ (٥) خَصَّهُمْ بِهَا حَتَّى أَطَاعُوهُ بِهَا (٦) ، بَلْ تَمْكِينُهُ لِلْمُطِيعِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ؛ لَكِنَّ هَذَا رَجَّحَ الطَّاعَةَ بِلَا مُرَجِّحٍ، بَلْ بِمُجَرَّدِ قُدْرَتِهِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ أَوَجَبَ ذَلِكَ، وَهَذَا رَجَّحَ الْمَعْصِيَةَ بِمُجَرَّدِ قُدْرَتِهِ، مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ أَوْجَبَ ذَلِكَ.

وَأَمَّا الْجَبْرِيَّةُ - كَجَهْمٍ وَأَصْحَابِهِ - فَعِنْدَهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْعَبْدِ قُدْرَةٌ أَلْبَتَّةَ.


(١) ا، ب: الْفِعْلِ.
(٢) أُخْرَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(٣) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: لَا يُوجِبُ.
(٤) مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(٥) ن، م: بِنِعْمَةٍ.
(٦) بِهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) .

<<  <  ج: ص:  >  >>