للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ الْمُسْتَقْبَلَ أَنَّهُ نَدِمَ عَلَى أَشْيَاءَ مِمَّا فَعَلَهَا، وَكَانَ يَقُولُ: لَقَدْ عَجِزْتُ عَجْزَةً لَا أَعْتَذِرْ سَوْفَ أَكِيسُ بَعْدَهَا وَأَسْتَمِرْ وَأَجْمَعُ الرَّأْيَ الشَّتِيتَ الْمُنْتَشِرْ.

وَكَانَ يَقُولُ لَيَالِيَ صِفِّينَ: يَا حَسَنُ يَا حَسَنُ، مَا ظَنَّ أَبُوكَ أَنَّ الْأَمْرَ يَبْلُغُ هَذَا! لِلَّهِ دَرُّ مَقَامٍ قَامَهُ سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، إِنْ كَانَ بِرًّا إِنَّ أَجْرَهُ لَعَظِيمٌ، وَإِنْ كَانَ إِثْمًا إِنَّ خَطَرَهُ لَيَسِيرٌ. وَهَذَا رَوَاهُ الْمُصَنِّفُونَ.

وَتَوَاتَرَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَتَضَجَّرُ وَيَتَمَلْمَلُ مِنِ اخْتِلَافِ رَعِيَّتِهِ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ مَا كَانَ يَظُنُّ أَنَّ الْأَمْرَ يَبْلُغُ مَا بَلَغَ.

وَكَانَ الْحَسَنُ رَأْيُهُ تَرْكُ الْقِتَالِ. وَقَدْ جَاءَ النَّصُّ الصَّحِيحُ بِتَصْوِيبِ الْحَسَنِ.

وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ (١) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَإِنَّ اللَّهَ يُصْلِحُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» " (٢) . فَمَدَحَ الْحَسَنَ عَلَى الْإِصْلَاحِ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ.

وَسَائِرُ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقُعُودَ عَنِ الْقِتَالِ وَالْإِمْسَاكَ عَنِ الْفِتْنَةِ كَانَ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ. وَهَذَا قَوْلُ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ وَأَكْثَرِ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ. وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الِاعْتِبَارِ ; فَإِنَّ مَحَبَّةَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِلْعَمَلِ بِظُهُورِ ثَمَرَتِهِ، فَمَا كَانَ أَنْفَعَ لِلْمُسْلِمِينَ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ كَانَ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ


(١) عِبَارَةُ " عَنْ أَبِي بَكْرٍ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .
(٢) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى ١/٥٣٩، ٥٤٠

<<  <  ج: ص:  >  >>