للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَدٍّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُفَرِّطًا، كَالنَّائِمِ وَالنَّاسِي، فَلَا مَلَامَ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ الْغُرُوبِ.

وَأَيْضًا فَبِنَفْسِ غُرُوبِ الشَّمْسِ خَرَجَ الْوَقْتُ الْمَضْرُوبُ لِلصَّلَاةِ، فَالْمُصَلِّي بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ مُصَلِّيًا فِي الْوَقْتِ الشَّرْعِيِّ وَلَوْ عَادَتِ الشَّمْسُ.

وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [سُورَةُ طه: ١٣٠] يَتَنَاوَلُ الْغُرُوبَ الْمَعْرُوفَ، فَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يُصَلِّيَ قَبْلَ هَذَا الْغُرُوبِ، وَإِنْ طَلَعَتْ ثُمَّ غَرَبَتْ. وَالْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ حَصَلَتْ بِذَلِكَ الْغُرُوبِ، فَالصَّائِمُ يُفْطِرُ، وَلَوْ عَادَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ، مَعَ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ لَا تَقَعُ لِأَحَدٍ، وَلَا وَقَعَتْ لِأَحَدٍ، فَتَقْدِيرُهَا تَقْدِيرُ مَا لَا وُجُودَ لَهُ ; وَلِهَذَا لَا يُوجَدُ الْكَلَامُ عَلَى حُكْمٍ مِثْلِ هَذَا فِي كَلَامِ الْعُلَمَاءِ الْمُفَرِّعِينَ.

وَأَيْضًا فَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاتَتْهُ الْعَصْرُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، فَصَلَّاهَا قَضَاءً، هُوَ وَكَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَلَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ رَدَّ الشَّمْسِ.

وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأَصْحَابِهِ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَّا أَرْسَلَهُمْ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ: " «لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ» ".

فَلَمَّا أَدْرَكَتْهُمُ الصَّلَاةُ فِي الطَّرِيقِ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يُرِدْ مِنَّا تَفْوِيتَ الصَّلَاةِ فَصَلَّوْا فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا نُصَلِّي إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدَةً مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ (١) .

فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّوُا الْعَصْرَ بَعْدَ


(١) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى ٣/٤١١

<<  <  ج: ص:  >  >>