للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَالنَّقْلُ الصَّحِيحُ قَدْ أَثْبَتَ أَنَّ عُمَرَ قَدْ جَعَلَ الْأَمْرَ شُورَى فِي سِتَّةٍ، وَأَنَّ ثَلَاثَةً تَرَكُوهُ لِثَلَاثَةٍ: عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَنَّ الثَّلَاثَةَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَخْتَارُ وَاحِدًا مِنْهُمَا، وَبَقِيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ: حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَنَمْ فِيهَا كَبِيرَ نَوْمٍ (١) يُشَاوِرُ الْمُسْلِمِينَ.

وَقَدِ اجْتَمَعَ (٢) بِالْمَدِينَةِ أَهْلُ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ، حَتَّى أُمَرَاءُ الْأَنْصَارِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ اتَّفَقُوا عَلَى مُبَايَعَةِ عُثْمَانَ بِغَيْرِ رَغْبَةٍ وَلَا رَهْبَةٍ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ عُثْمَانُ هُوَ الْأَحَقَّ، وَمَنْ كَانَ هُوَ الْأَحَقَّ كَانَ هُوَ الْأَفْضَلَ ; فَإِنَّ أَفْضَلَ الْخَلْقِ مَنْ كَانَ أَحَقَّ أَنْ يَقُومَ مَقَامَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ.

وَإِنَّمَا قُلْنَا: يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْأَحَقَّ ; لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَلَزِمَ: إِمَّا جَهْلُهُمْ، وَإِمَّا ظُلْمُهُمْ. فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ أَحَقَّ، وَكَانَ غَيْرُهُ أَحَقَّ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا ذَلِكَ كَانُوا جُهَّالًا، وَإِنْ عَلِمُوهُ وَعَدَلُوا عَنِ الْأَحَقِّ (٣) إِلَى غَيْرِهِ، كَانُوا ظَلَمَةً. فَتَبَيَّنَ أَنَّ عُثْمَانَ إِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَقَّ، لَزِمَ: إِمَّا جَهْلُهُمْ وَإِمَّا ظُلْمُهُمْ، وَكِلَاهُمَا مُنْتَفٍ ; لِأَنَّهُمْ أَعْلَمُ بِعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ مِنَّا، وَأَعْلَمُ بِمَا قَالَهُ الرَّسُولُ فِيهِمَا مِنَّا، وَأَعْلَمُ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ فِي ذَلِكَ مِنَّا، وَلِأَنَّهُمْ خَيْرُ الْقُرُونِ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ نَكُونَ نَحْنُ أَعْلَمَ مِنْهُمْ بِمِثْلِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ، مَعَ أَنَّهُمْ أَحْوَجُ إِلَى عِلْمِهَا مِنَّا ; فَإِنَّهُمْ لَوْ جَهِلُوا مَسَائِلَ أُصُولِ دِينِهِمْ وَعَلِمْنَاهَا نَحْنُ لَكُنَّا أَفْضَلَ مِنْهُمْ، وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ.


(١) ن، س: كَثِيرًا يَوْمَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، ب: كَثِيرًا
(٢) ن، س، ب: أَجْمَعَ وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(٣) م: الْأَحْوَالِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، س، ب: الْحَقِّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>