للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ جَمِيعُ النَّاسِ بَايَعُوا عُمَرَ إِلَّا سَعْدًا، لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْ بَيْعَةِ عُمَرَ أَحَدٌ إِلَا بِنُو هَاشِمٍ وَلَا غَيْرُهُمْ.

وَأَمَّا بَيْعَةُ عُثْمَانَ فَاتَّفَقَ النَّاسُ كُلُّهُمْ عَلَيْهَا، وَكَانَ سَعْدٌ قَدْ مَاتَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، فَلَمْ يُدْرِكْهَا، وَتَخَلُّفُ سَعْدٍ قَدْ عُرِفَ سَبَبُهُ؛ فَإِنَّهُ (١) كَانَ يَطْلُبُ أَنْ يَصِيرَ أَمِيرًا، وَيَجْعَلَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ أَمِيرًا وَمِنَ الْأَنْصَارِ أَمِيرًا، وَمَا طَلَبَهُ (٢) سَعْدٌ لَمْ يَكُنْ سَائِغًا بِنَصِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ.

وَإِذَا ظَهَرَ خَطَأُ الْوَاحِدِ الْمُخَالِفِ لِلْإِجْمَاعِ، ثَبَتَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ كَانَ صَوَابًا، وَأَنَّ ذَلِكَ الْوَاحِدَ الَّذِي عُرِفَ خَطَؤُهُ بِالنَّصِّ شَاذٌّ لَا يُعْتَدُّ بِهِ، بِخِلَافِ الْوَاحِدِ الَّذِي يُظْهِرُ حُجَّةً شَرْعِيَّةً مِنِ الْكِتَابِ وَالسَّنَةِ، فَإِنَّ هَذَا يُسَوِّغُ خِلَافَةً، وَقَدْ يَكُونُ الْحَقُّ مَعَهُ وَيَرْجِعُ إِلَيْهِ غَيْرُهُ.

كَمَا كَانَ الْحَقُّ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فِي تَجْهِيزِ جَيْشِ أُسَامَةَ وَقِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، حَتَّى تَبَيَّنَ صَوَابُ رَأْيِهِ فِيمَا بَعْدُ.

وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي قُحَافَةَ فَمِنَ الْكَذِبِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ أَبُو قُحَافَةَ كَانَ بِمَكَّةَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا أَسْلَمَ عَامَ الْفَتْحِ، أَتَى بِهِ أَبُو بَكْرٍ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ مِثْلُ الثَّغَامَةِ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَوْ أَقْرَرْتَ الشَّيْخَ مَكَانَهُ لَأَتَيْنَاهُ» " (٣) إِكْرَامًا لِأَبِي بَكْرٍ. وَلَيْسَ


(١) ن، س، ب: وَإِنْ
(٢) م: وَمَا طَلَبَ
(٣) الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) ٣/١٦

<<  <  ج: ص:  >  >>