للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَحُزْنُهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ مُوَالَاتِهِ وَمَحَبَّتِهِ، وَنُصْحِهِ لَهُ وَاحْتِرَاسِهِ عَلَيْهِ وَذَبِّهِ عَنْهُ وَدَفْعِ الْأَذَى عَنْهُ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْإِيمَانِ وَإِنْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ يَحْصُلُ لَهُ بِالْحُزْنِ نَوْعُ ضَعْفٍ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاتِّصَافَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ مَعَ عَدَمِ الْحُزْنِ هُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ، فَإِنَّ مُجَرَّدَ الْحُزْنِ لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذَا ذَنْبٌ يُذَمُّ بِهِ (١) ، فَإِنَّ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْحُزْنَ عَلَى الرَّسُولِ أَعْظَمُ مِنْ حَزْنِ الْإِنْسَانِ عَلَى ابْنِهِ، فَإِنَّ مَحَبَّةَ الرَّسُولِ أَوْجَبُ مِنْ مَحَبَّةِ الْإِنْسَانِ لِابْنِهِ.

وَمَعَ هَذَا فَقَدَ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْ يَعْقُوبَ أَنَّهُ حَزِنَ عَلَى ابْنِهِ يُوسُفَ وَقَالَ: {يَاأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} الْآيَةَ [سُورَةُ يُوسُفَ: ٨٤ - ٨٦] ، فَهَذَا إِسْرَائِيلُ نَبِيٌّ كَرِيمٌ قَدْ حَزِنَ عَلَى ابْنِهِ هَذَا الْحُزْنَ، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا مُمَّا يُسَبُّ عَلَيْهِ، فَكَيْفَ يُسَبُّ أَبُو بَكْرٍ إِذَا حَزِنَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَوْفًا أَنْ يُقْتَلَ، وَهُوَ الَّذِي عُلِّقَتْ بِهِ سَعَادَةُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؟ ! .

ثُمَّ إِنَّ هَؤُلَاءِ الشِّيعَةِ - وَغَيْرَهُمْ - يَحْكُونَ عَنْ فَاطِمَةَ مِنْ حُزْنِهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَا يُوصَفُ، وَأَنَّهَا بِنْتُ بَيْتِ الْأَحْزَانِ، وَلَا يَجْعَلُونَ ذَلِكَ ذَمًّا لَهَا مَعَ أَنَّهُ حُزْنٌ عَلَى أَمْرٍ فَائِتٍ لَا يَعُودُ وَأَبُو بَكْرٍ إِنَّمَا حَزِنَ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ خَوْفَ أَنْ يُقْتَلَ وَهُوَ حَزْنٌ يَتَضَمَّنُ الِاحْتِرَاسَ، وَلِهَذَا لَمَّا مَاتَ لَمْ يَحْزَنْ هَذَا الْحُزْنَ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ فَحُزْنُ أَبِي بَكْرٍ بِلَا رَيْبٍ


(١) م: يُلْزَمُ بِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>