للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَذْكُورَةَ فِي قَوْلِهِ: {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: ٣٦] ، وَمَنْ قَالَ ذَلِكَ فَقَدْ غَلِطَ غَلَطًا مَعْرُوفًا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ كَمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ.

وَلَمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِقِتَالِ أَهْلِ الْكِتَابِ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجِزْيَةَ مِنَ الْمَجُوسِ، وَاتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَخْذِهَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوسِ.

وَتَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي سَائِرِ الْكُفَّارِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: فَقِيلَ: جَمِيعُهُمْ يُقَاتَلُونَ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ إِذَا لَمْ يُسْلِمُوا، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ.

وَقِيلَ: يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مُشْرِكُو الْعَرَبِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ.

وَقِيلَ: ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ، وَمَنْ لَهُ شُبْهَةُ كِتَابٍ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ.

وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي مُتَّفِقَانِ فِي الْمَعْنَى، فَإِنَّ آيَةَ الْجِزْيَةِ لَمْ تَنْزِلْ إِلَّا بَعْدَ فَرَاغِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِتَالِ مُشْرِكِي الْعَرَبِ، فَإِنَّ آخِرَ غَزَوَاتِهِ لِلْعَرَبِ كَانَتْ غَزْوَةَ الطَّائِفِ، وَكَانَتْ بَعْدَ حُنَيْنٍ وَحُنَيْنٌ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَكُلُّ ذَلِكَ سَنَةَ ثَمَانٍ، وَفِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ غَزَا النَّصَارَى عَامَ تَبُوكَ، وَفِيهَا نَزَلَتْ سُورَةُ " بَرَاءَةَ " وَفِيهَا أُمِرَ \ بِالْقِتَالِ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ.

«وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَعَثَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَمَرَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ» ، كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>