للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمَاكِنَ بَعِيدَةٍ عَنْ مَشْهَدِهِ كَمَدِينَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِمَّا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ [شَهْرِ] (١) رَمَضَانَ، وَإِمَّا فِي غَيْرِ ذَلِكَ (٢) يَتَوَجَّهُونَ إِلَى الْمَشْرِقِ، وَيُنَادُونَهُ بِأَصْوَاتٍ عَالِيَةٍ يَطْلُبُونَ خُرُوجَهُ.

وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا، وَقَدْ أَمَرَهُ اللَّهُ بِالْخُرُوجِ، فَإِنَّهُ يَخْرُجْ سَوَاءٌ نَادَوْهُ، أَوْ لَمْ يُنَادُوهُ، وَإِنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، فَهُوَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ، وَأَنَّهُ إِذَا خَرَجَ فَإِنَّ اللَّهَ يُؤَيِّدُهُ، وَيَأْتِيهِ بِمَا يَرْكَبُهُ، وَبِمَنْ يُعِينُهُ، وَيَنْصُرُهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يُوقِفَ [لَهُ] (٣) دَائِمًا مِنَ الْآدَمِيِّينَ مَنْ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا.

وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ عَابَ فِي كِتَابِهِ مَنْ يَدْعُو مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ دُعَاءَهُ، فَقَالَ تَعَالَى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ - إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [سُورَةُ فَاطِرٍ: ١٣ - ١٤] هَذَا مَعَ أَنَّ الْأَصْنَامَ مَوْجُودَةٌ، وَكَانَ يَكُونُ فِيهَا (٤) أَحْيَانًا شَيَاطِينُ تَتَرَاءَى لَهُمْ، وَتُخَاطِبُهُمْ، وَمَنْ خَاطَبَ مَعْدُومًا كَانَتْ حَالَتُهُ أَسْوَأَ مِنْ حَالِ مَنْ خَاطَبَ مَوْجُودًا، وَإِنْ كَانَ جَمَادًا، فَمِنْ دُعَاءِ الْمُنْتَظَرِ الَّذِي لَمْ يَخْلُقْهُ اللَّهُ (٥) كَانَ


(١) شَهْرِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
(٢) ن، م: وَإِمَّا فِي غَيْرِهِ.
(٣) لَهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
(٤) أ، ب: بِهَا.
(٥) أَوْرَدَ النُّوبَخْتِيُّ اخْتِلَافَ فِرَقِ الشِّيعَةِ فِي أَمْرِ الْمَهْدِيِّ، فَذَكَرَ أَنَّ فِرْقَةً تَقُولُ: إِنَّ الْمَهْدِيَّ (مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَائِمُ الْحُجَّةُ) وُلِدَ قَبْلَ وَالِدِهِ (الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْعَسْكَرِيِّ) بِسِنِينَ وَهُوَ مَسْتُورٌ لَا يُرَى خَائِفٌ مِنْ جَعْفَرٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَعْدَائِهِ وَإِنَّهَا إِحْدَى غَيْبَاتِهِ (انْظُرْ فِرَقَ الشِّيعَةِ، ص ٨٤ - ٨٥) . وَفِرْقَةً تَقُولُ: بَلْ وُلِدَ لِلْحُسْنِ وُلِدَ بَعْدَ وَفَاتِهِ بِثَمَانِيَةِ شُهُورٍ وَهُوَ مَسْتُورٌ لَا يُرَى. (ص ٨٥) . وَفِرْقَةً ثَالِثَةً تَقُولُ: إِنَّهُ لَا وَلَدَ لِلْحَسَنِ أَصْلًا؛ لِأَنَّا قَدِ امْتَحَنَّا ذَلِكَ وَطَلَبْنَاهُ بِكُلِّ وَجْهٍ فَلَمْ نَجِدْهُ، وَلَوْ جَازَ أَنْ نَقُولَ فِي مِثْلِ الْحَسَنِ وَقَدْ تُوُفِّيَ وَلَا وَلَدَ لَهُ إِنَّ لَهُ وَلَدًا خَفِيًّا، لَجَازَ مِثْلُ هَذِهِ الدَّعْوَى فِي كُلِّ مَيِّتٍ مِنْ غَيْرِ خُلْفٍ، وَلَجَازَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ - أَنْ يُقَالَ: خَلَّفَ ابْنًا نَبِيًّا رَسُولًا (ص ٨٥ - ٨٧) . وَفِرْقَةً رَابِعَةً قَالَتْ: إِنَّهُ لَا يُوجَدُ إِمَامٌ بَعْدَ الْحَسَنِ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ الْقَائِمَ إِذَا شَاءَ (ص ٨٧ - ٨٨) . وَأَمَّا الْإِمَامِيَّةُ فَيَقُولُونَ: إِنَّ الْحَسَنَ الْعَسْكَرِيَّ قَدْ تُوُفِّيَ، وَإِنَّ ابْنَهُ هُوَ الْإِمَامُ مِنْ بَعْدِهِ، وَهُوَ خَائِفٌ مَسْتُورٌ بِسِتْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَيْسَ عَلَيْنَا الْبَحْثُ فِي أَمْرِهِ، بَلِ الْبَحْثُ عَنْ ذَلِكَ وَطَلَبُهُ مُحَرَّمٌ لَا يَحِلُّ (ص ٩٠ - ٩٣) . عَلَى أَنَّهُ لَا تُوجَدُ فِرْقَةٌ أُخْرَى تَجْعَلُ الْمَهْدِيَّ شَخْصًا آخَرَ غَيْرَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، فَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُهُ مُحَمَّدَ ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ، كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ. وَغَيْرُهُمْ يَقُولُونَ: هُوَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، وَآخَرُونَ يَقُولُونَ: بَلْ هُوَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَهُمُ الْإِسْمَاعِيلِيَّةُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>