للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ مِنَ الْمُنْكَرَاتِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَيِّتِ بِسِنِينَ كَثِيرَةٍ مَا لَوْ فَعَلُوهُ عَقِبَ مَوْتِهِ لَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الْمُنْكَرَاتِ الَّتِي حَرَّمَهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَكَيْفَ بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ.

وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ قَدْ قُتِلَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَغَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ (١) ظُلْمًا وَعُدْوَانًا مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنَ الْحُسَيْنِ قُتِلَ أَبُوهُ ظُلْمًا، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ. وَقُتِلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَكَانَ قَتْلُهُ أَوَّلَ الْفِتَنِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي وَقَعَتْ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مِنَ الشَّرِّ، وَالْفَسَادِ أَضْعَافُ مَا تَرَتَّبَ عَلَى قَتْلِ الْحُسَيْنِ. وَقُتِلَ غَيْرُ هَؤُلَاءِ وَمَاتَ، وَمَا فَعَلَ أَحَدٌ - لَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا غَيْرِهِمْ - مَأْتَمًا وَلَا نِيَاحَةً عَلَى مَيِّتٍ، وَلَا قَتِيلٍ بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ مِنْ قَتْلِهِ إِلَّا هَؤُلَاءِ الْحَمْقَى الَّذِينَ لَوْ كَانُوا مِنَ الطَّيْرِ لَكَانُوا رَخَمًا، وَلَوْ كَانُوا مِنَ الْبَهَائِمِ لَكَانُوا حُمُرًا.

وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ بَعْضَهُمْ لَا يُوقِدُ خَشَبَ الطَّرْفَاءِ (٢) ؛ لِأَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ دَمَ الْحُسَيْنِ، وَقَعَ عَلَى شَجَرَةٍ مِنَ الطَّرْفَاءِ، وَمَعْلُومٌ. أَنَّ تِلْكَ الشَّجَرَةَ بِعَيْنِهَا لَا يُكْرَهُ وَقُودُهَا، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهَا مِنْ (٣) أَيِّ دَمٍ كَانَ، فَكَيْفَ بِسَائِرِ الشَّجَرِ الَّذِي لَمْ يُصِبْهُ الدَّمُ؟ ! .

وَحَمَاقَاتُهُمْ يَطُولُ وَصْفُهَا لَا يُحْتَاجُ إِلَى أَنْ تُنْقَلَ (٤) بِإِسْنَادٍ، [وَلَكِنْ يَنْبَغِي


(١) ن، م: مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ.
(٢) فِي اللِّسَانِ: الطَّرَفَةُ شَجَرَةٌ وَهِيَ الطَّرَفُ، وَالطَّرْفَاءُ جَمَاعَةُ الطَّرَفَةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الطَّرْفَاءُ مِنَ الْعِضَاهِ، وَهُدْبُهُ مِثْلُ هُدْبِ الْأَثْلِ، وَلَيْسَ لَهُ خَشَبٌ وَإِنَّمَا يَخْرُجُ عِصِيًّا سَمْحَةً فِي السَّمَاءِ، وَقَدْ تَتَمَحَّضُ بِهَا الْإِبِلُ إِذَا لَمْ تَجِدْ حِمْضًا غَيْرَهُ. وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: الطَّرْفَاءُ مِنَ الْحَمْضِ.
(٣) مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(٤) أ: وَمِنْ حَمَاقَاتِهِمْ كَمَا يَطُولُ وَصْفُهَا لَا يُحْتَاجُ أَنْ تُنْقَلَ؛ ب: وَمِنْ حَمَاقَاتِهِمْ مَا يَطُولُ وَصْفُهَا وَلَا يُحْتَاجُ أَنْ تُنْقَلَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>