للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَقُولُونَ: إِنَّ الْأَجْسَامَ لَا يَسْتَحِيلُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، بَلِ الْجَوَاهِرُ الَّتِي كَانَتْ مَثَلًا فِي الْأَوَّلِ هِيَ بِعَيْنِهَا بَاقِيَةٌ فِي الثَّانِي، وَإِنَّمَا تَغَيَّرَتْ أَعْرَاضُهَا.

وَهَذَا خِلَافُ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ - أَئِمَّةُ الدِّينِ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعُقَلَاءِ - مِنِ اسْتِحَالَةِ بَعْضِ الْأَجْسَامِ إِلَى بَعْضٍ، كَاسْتِحَالَةِ الْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْحَيَوَانِ بِالْمَوْتِ تُرَابًا، وَاسْتِحَالَةِ الدَّمِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْأَجْسَامِ النَّجِسَةِ مِلْحًا أَوْ رَمَادًا، وَاسْتِحَالَةِ الْعَذِرَاتِ تُرَابًا، وَاسْتِحَالَةِ الْعَصِيرِ خَمْرًا، ثُمَّ اسْتِحَالَةِ الْخَمْرِ خَلًّا، وَاسْتِحَالَةِ مَا يَأْكُلُهُ الْإِنْسَانُ وَيَشْرَبُهُ بَوْلًا وَدَمًا وَغَائِطًا وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَقَدْ تَكَلَّمَ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ فِي النَّجَاسَةِ: هَلْ تَطْهُرُ بِالِاسْتِحَالَةِ أَمْ لَا؟ وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ مِنْهُمُ الِاسْتِحَالَةَ.

وَمُثْبِتَةُ الْجَوْهَرِ الْفَرْدِ قَدْ فَرَّعُوا عَلَيْهِ مِنَ الْمَقَالَاتِ الَّتِي يَعْلَمُ الْعُقَلَاءُ فَسَادَهَا بِبَدِيهَةِ الْعَقْلِ مَا لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِهِ، مِثْلَ تَفْلِيكِ الرَّحَى وَالدُّولَابِ وَالْفُلْكِ وَسَائِرِ الْأَجْسَامِ الْمُسْتَدِيرَةِ الْمُتَحَرِّكَةِ (١) ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ: إِنَّ الْفَاعِلَ الْمُخْتَارَ يَفْعَلُ كُلَّمَا تَحَرَّكَتْ، وَمِثْلُ قَوْلِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ:


(١) يَشْرَحُ الرَّازِيُّ فِكْرَةَ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي كِتَابِهِ " الْأَرْبَعِينَ فِي أُصُولِ الدِّينِ " فَيَقُولُ (٢٦٢) : " إِذَا اسْتَدَارَ الْفَلَكُ اسْتِدَارَةً مَنْطِقِيَّةً اسْتَدَارَتْ جَمِيعُ الدَّوَائِرِ الْمُوَازِيَةِ لِتِلْكَ الْمِنْطَقَةِ - إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: إِذَا تَحَرَّكَتِ الْمِنْطَقَةُ جُزْءًا فَالدَّائِرَةُ الصَّغِيرَةُ الْقَرِيبَةُ مِنَ الْقُطْبِ الْمُوَازِيَةُ لِلْمِنْطَقَةِ إِنْ تَحَرَّكَتْ أَيْضًا جُزْءًا، لَزِمَ أَنَّ يَكُونَ مَدَارُ تِلْكَ الدَّائِرَةِ الصَّغِيرَةِ مُسَاوِيًا لِمِقْدَارِ الْمِنْطَقَةِ، هَذَا خَلْفٌ. وَإِنْ لَمْ تَتَحَرَّكْ أَلْبَتَّةَ، فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ وُقُوعُ التَّفَكُّكِ فِي أَجْزَاءِ الْفَلَكِ. . وَهَذَا الْكَلَامُ قَدْ يَفْرِضُونَهُ فِي حَرَكَةِ الرَّحَى وَيُلْزِمُونَ عَلَيْهِ تَفَكُّكَ أَجْزَاءِ الرَّحَى، وَالْمُتَكَلِّمُونَ يَلْتَزِمُونَهُ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَاعِلٌ مُخْتَارٌ فَهُوَ يُفَكِّكُ أَجْزَاءَ الرَّحَى حَالَ اسْتِدَارَتِهَا، ثُمَّ يُعِيدُ التَّأْلِيفَ وَالتَّرْكِيبَ إِلَيْهَا حَالَ وُقُوفِهَا ". وَانْظُرْ أَيْضًا شَرْحَ ابْنَ تَيْمِيَّةَ لِهَذِهِ الْفِكْرَةِ فِي: مَجْمُوعَةِ تَفْسِيرِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ (ط. بُمْبَايَ ١٣٧٤/١٩٥٤) ص ٢١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>