للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَفَوْا بِهِ مَا ثَبَتَ (١) بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ السَّلَفِ، بَلْ وَلَمَّا ثَبَتَ بِالْفِطْرَةِ الْعَقْلِيَّةِ الَّتِي اشْتَرَكَ فِيهَا جَمِيعُ أَهْلِ الْفِطَرِ الَّتِي لَمْ تَفْسُدْ فِطْرَتُهُمْ بِمَا تَلَقَّنُوهُ مِنَ الْأَقْوَالِ الْفَاسِدَةِ، بَلْ وَلَمَّا ثَبَتَ بِالْبَرَاهِينِ الْعَقْلِيَّةِ - فَالَّذِي يَنْتَهِي إِلَيْهِ أَصْلُهُمْ هُوَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُتَّصِفًا بِالصِّفَاتِ، أَوْ مُتَكَلِّمًا بِكَلَامٍ يَقُومُ بِهِ، وَمُرِيدًا بِمَا يَقُومُ بِهِ مِنَ الْإِرَادَةِ الْحِسِّيَّةِ، وَكَانَتْ رُؤْيَتُهُ (مُمْكِنَةً) فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي الْآخِرَةِ (٢) ، لَكَانَ مُرَكَّبًا مِنَ الْجَوَاهِرِ الْمُفْرَدَةِ الْحِسِّيَّةِ أَوِ الْجَوَاهِرِ الْعَقْلِيَّةِ: الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ.

وَهَذَا التَّلَازُمُ بَاطِلٌ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُقَلَاءِ فِيمَا نُشَاهِدُ، فَإِنَّ النَّاسَ يَرُونَ الْكَوَاكِبَ وَغَيْرَهَا مِنَ الْأَجْسَامِ، وَهِيَ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُقَلَاءِ لَيْسَتْ مُرَكَّبَةً لَا مِنْ هَذَا وَلَا مِنْ هَذَا.

وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ هَذَا التَّلَازُمَ حَقٌّ، فَلَيْسَ فِي حُجَجِهِمْ حُجَّةٌ صَحِيحَةٌ يُوجِبُ انْتِفَاؤُهَا اللَّازِمَ، بَلْ كُلٌّ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ تَطْعَنُ فِي حُجَجِ الْفَرِيقِ الْآخَرِ وَتُبَيِّنُ فَسَادَهَا، فَأُولَئِكَ يَقُولُونَ: إِنَّ كُلَّ مَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مُحْدَثٌ. وَمُنَازِعُوهُمْ يَطْعَنُونَ فِي الْمُقَدِّمَتَيْنِ وَيُبَيِّنُونَ فَسَادَهُمَا، وَالْآخَرُونَ يَقُولُونَ: إِنَّ كُلَّ مُرَكَّبٍ فَهُوَ مُفْتَقِرٌ إِلَى أَجْزَائِهِ، وَأَجْزَاؤُهُ غَيْرُهُ، فَكُلُّ مُرَكَّبٍ مُفْتَقِرٌ إِلَى غَيْرِهِ، وَمُنَازِعُوهُمْ يُثْبِتُونَ فَسَادَ هَذِهِ الْحُجَّةِ وَمَا فِيهَا مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُجْمَلَةِ وَالْمَعَانِي الْمُتَشَابِهَةِ، كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ.

وَلِهَذَا يَقُولُ مَنْ يَقُولُ مِنَ الْعُقَلَاءِ الْعَارِفِينَ بِحَقِيقَةِ قَوْلِ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ:


(١) أ: مَا يَثْبُتُ.
(٢) أ، ب: مِنَ الْإِرَادَةِ الْحِسِّيَّةِ وَكَانَتْ رُؤْيَتُهُ فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي الْآخِرَةِ. . . إِلَخْ. وَرَدَتْ كَلِمَةُ (مُمْكِنَةً) لِيَسْتَقِيمَ الْكَلَامُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>