للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَلِكَ إِذَا قَالَ: لَوْ كَانَ فَوْقَ الْعَالَمِ لَكَانَ جِسْمًا، وَلَكَانَ إِمَّا أَكْبَرَ مِنَ الْعَالَمِ وَإِمَّا أَصْغَرَ وَإِمَّا مُسَاوِيًا لَهُ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ، فَيُقَالُ لَهُ: إِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يَقُولُونَ: إِنَّهُ فَوْقَ الْعَالَمِ وَلَيْسَ بِجِسْمٍ.

فَإِذَا قَالَ النَّافِي (١) : قَوْلُ هَؤُلَاءِ مَعْلُومٌ فَسَادُهُ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ، قِيلَ لَهُ: فَأَنْتَ تَقُولُ: إِنَّهُ مَوْجُودٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ، وَلَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي الْعَالَمِ وَلَا خَارِجٍ عَنْهُ، وَلَا مُبَايِنٍ لَهُ وَلَا مُحَايِثٍ (٢) لَهُ، وَأَنَّهُ لَا يَقْرُبُ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَا يَبْعُدُ مِنْهُ شَيْءٌ، [وَلَا يَصْعَدُ إِلَيْهِ شَيْءٌ] (٣) وَلَا يَنْزِلُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِنَ النَّفْيِ الَّذِي إِذَا عَرَضَ عَلَى الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ جَزَمَتْ جَزْمًا قَاطِعًا أَنَّ هَذَا بَاطِلٌ وَأَنَّ وُجُودَ مِثْلِ هَذَا مُمْتَنِعٌ، وَكَانَ جَزْمُهَا بِبُطْلَانِ هَذَا أَقْوَى مِنْ جَزْمِهَا بِبُطْلَانِ كَوْنِهِ فَوْقَ الْعَالَمِ وَلَيْسَ بِجِسْمٍ.

فَإِنْ كَانَ حُكْمُ الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ مَقْبُولًا وَجَبَ بُطْلَانُ مَذْهَبِكَ، فَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ فَوْقَ الْعَالَمِ، وَإِنْ كَانَ مَرْدُودًا بَطَلَ رَدُّكَ لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ فَوْقَ الْعَالَمِ وَلَيْسَ بِجِسْمٍ، فَإِنَّ الْفِطْرَةَ الْحَاكِمَةَ بِامْتِنَاعِ هَذَا هِيَ الْحَاكِمَةُ بِامْتِنَاعِ هَذَا، فَيَمْتَنِعُ قَبُولُ حُكْمِهَا فِي أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ دُونَ الْآخَرِ.

وَذَلِكَ أَنَّ هَؤُلَاءِ النُّفَاةَ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْحُكْمَ بِهَذَا الْمَنْعِ مِنْ حُكْمِ الْوَهْمِ الْمَرْدُودِ لَا مِنْ حُكْمِ الْعَقْلِ الْمَقْبُولِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْوَهْمَ هُوَ أَنْ يُدْرَكَ فِي الْمَحْسُوسَاتِ (٤) مَا لَيْسَ بِمَحْسُوسٍ، كَمَا تُدْرِكُ الشَّاةُ عَدَاوَةَ الذِّئْبِ


(١) ب (فَقَطْ) : فَإِذَا قَالَ لَنَا.
(٢) ن، م: مُجَانِبٍ.
(٣) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(٤) ن، م: فِي الْمَحْسُوسِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>