للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا يَقُومُ بِهِ مِنَ الْأَفْعَالِ الْاخْتِيَارِيَّةِ يَقُولُونَ لِمَنْ أَثْبَتَ ذَلِكَ: إِنَّهُ مُجَسِّمٌ ; وَكَذَلِكَ سَائِرُ النُّفَاةِ.

وَكُلُّ مَنْ نَفَى مَا أَثْبَتَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ إِثْبَاتَهُ تَجْسِيمٌ يَلْزَمُهُ فِيمَا أَثْبَتَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ] (١) .

وَمُنْتَهَى هَؤُلَاءِ النُّفَاةِ إِلَى إِثْبَاتِ وُجُودٍ مُطْلَقٍ، وَذَاتٍ مُجَرَّدَةٍ عَنِ الصِّفَاتِ، وَالْعَقْلُ الصَّرِيحُ يَعْلَمُ أَنَّ الْوُجُودَ الْمُطْلَقَ وَالذَّاتَ الْمُجَرَّدَةَ عَنِ الصِّفَاتِ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ، فَالذِّهْنُ يُجَرِّدُ هَذَا وَيُقَدِّرُ هَذَا التَّوْحِيدَ الَّذِي يَفْرِضُونَهُ، كَمَا يُقَدِّرُ إِنْسَانًا مُطْلَقًا وَحَيَوَانًا مُطْلَقًا، وَلَكِنْ لَيْسَ كُلُّ مَا قَدَّرَتْهُ الْأَذْهَانُ كَانَ وُجُودُهُ فِي الْخَارِجِ فِي حَيِّزِ الْإِمْكَانِ.

وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ غَلَطُ مَنْ قَصَدَ إِثْبَاتَ إِمْكَانِ هَذَا بِالتَّقْدِيرِ الْعَقْلِيِّ، كَمَا ذَكَرَهُ الرَّازِيُّ (٢) ، فَقَالَ (٣) : الْعَقْلُ يَعْلَمُ أَنَّ الشَّيْءَ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَحَيِّزًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَائِمًا بِالْمُتَحَيِّزِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لَا مُتَحَيِّزًا وَلَا حَالًّا (٤) .


(١) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ; (م) . وَالْكَلَامُ فِي نُسْخَتِي (ب) ، (أ) نَاقِصٌ أَيْضًا، وَمِنَ الْمُرَجَّحِ أَنَّ هُنَاكَ سَقْطًا، وَفِي السُّطُورِ التَّالِيَةِ مُحَاوَلَةٌ لِكِتَابَةِ مَا يَفِي بِهَذَا النَّقْصِ حَسَبَ مَا أَرَى مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ: " وَكُلُّ مَنْ نَفَى مَا أَثْبَتَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ إِثْبَاتَهُ تَجْسِيمٌ (يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَا أَثْبَتَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَإِنَّ الْمُعْتَزِلِيَّ إِذَا أَثْبَتَ بَعْضَ الصِّفَاتِ دُونَ الْبَعْضِ الْآخَرِ كَالْعِلْمِ وَالْحَيَاةِ وَالْقُدْرَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ لَا تَقْتَضِي تَجْسِيمًا كَانَ مُتَنَاقِضًا، فَإِنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ تَقْتَضِي تَجْسِيمًا أَيْضًا - بِحَسَبِ مَذْهَبِهِ - فَإِمَّا أَنْ يَنْفِيَ هَذِهِ الصِّفَاتِ كَذَلِكَ وَإِمَّا أَنْ يُثْبِتَ كُلَّ مَا أَثْبَتَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ) .
(٢) أ، ب: الرَّازِيُّ وَغَيْرُهُ.
(٣) أ، ب: فَيُقَالُ، وَهُوَ خَطَأٌ.
(٤) بِالْمُتَحَيِّزِ يَقُولُ الرَّازِيُّ فِي كِتَابِهِ: " أَسَاسُ التَّقْدِيسِ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ " ص ٦، ط. مُصْطَفَى الْحَلَبِيِّ، ١٣٥٤/١٩٣٥: " الثَّالِثُ أَنَّا إِذَا قُلْنَا: الْمَوْجُودُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَحَيِّزًا، أَوْ حَالًّا فِي الْمُتَحَيِّزِ، أَوْ لَا مُتَحَيِّزًا وَلَا حَالًّا فِي الْمُتَحَيِّزِ، وَجَدْنَا الْعَقْلَ قَاطِعًا بِصِحَّةِ هَذَا التَّقْسِيمِ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>