للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِي: أَنْ يُرَادَ بِهِ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ مَا هُوَ مَقْدُورٌ لَهُ، لَا يَقْدِرُ عَلَى مَا لَيْسَ بِمَقْدُورٍ لَهُ.

وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ هُوَ مُرَادُ أَهْلِ السُّنَّةِ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ إِذَا قَالُوا: هُوَ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ مَقْدُورٍ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَقْدُورًا لِأَيِّ قَادِرٍ كَانَ، فَمَا مِنْ أَمْرٍ مُمْكِنٍ فِي نَفْسِهِ إِلَّا وَاللَّهُ قَادِرٌ عَلَيْهِ، لَا يُتَصَوَّرُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَقْدِرَ الْعِبَادُ عَلَى مَا لَمْ يَقْدِرِ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [سُورَةُ فُصِّلَتْ: ٣٩] .

فَأَمَّا الْمُمْتَنِعُ لِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُقَلَاءِ. وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِي الْمَعْدُومِ الْمُمْكِنِ: هَلْ هُوَ شَيْءٌ أَمْ لَا؟

فَأَمَّا الْمُمْتَنِعُ، فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ: إِنَّهُ شَيْءٌ ثَابِتٌ فِي الْخَارِجِ، فَإِنَّ الْمُمْتَنِعَ هُوَ مَا لَا يُمْكِنُ وُجُودُهُ فِي الْخَارِجِ، مِثْلَ كَوْنِ الشَّيْءِ مَوْجُودًا مَعْدُومًا، فَإِنَّ هَذَا مُمْتَنِعٌ لِذَاتِهِ لَا يُعْقَلُ ثُبُوتُهُ فِي الْخَارِجِ، وَكَذَلِكَ كَوْنُ الشَّيْءِ أَسْوَدَ كُلَّهُ أَبْيَضَ كُلَّهُ، وَكَوْنُ الْجِسْمِ الْوَاحِدِ بِعَيْنِهِ فِي الْوَقْتِ الْوَاحِدِ فِي مَكَانَيْنِ.

وَالْمُمْتَنِعُ يُقَالُ عَلَى الْمُمْتَنِعِ لِنَفْسِهِ مِثْلَ هَذِهِ الْأُمُورِ، وَعَلَى الْمُمْتَنِعِ لِغَيْرِهِ: مِثْلَ مَا عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ وَكَتَبَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ، فَهَذَا لَا يَكُونُ.

وَقَدْ يُقَالُ: إِنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ عِلْمُ اللَّهِ بِخِلَافِ مَعْلُومِهِ، وَخَبَرُهُ بِخِلَافِ مَخْبَرِهِ ; لَكِنَّ هَذَا هُوَ مُمْكِنٌ فِي نَفْسِهِ وَاللَّهُ قَادِرٌ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ: {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} [سُورَةُ الْقِيَامَةِ: ٤] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ} [سُورَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>