للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْكَافِرِ الَّذِي عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ؟ وَالَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُكَلِّفُ الْعَبْدَ مَا هُوَ مُمْتَنِعٌ، احْتَجُّوا بِتَكْلِيفِهِ وَزَعَمُوا أَنَّ إِيمَانَهُ مُمْتَنِعٌ لِاسْتِلْزَامِهِ انْقِلَابَ عِلْمِ اللَّهِ جَهْلًا.

وَجَوَابُهُمْ أَنَّ لَفْظَ " الْمُمْتَنِعِ " مُجْمَلٌ، يُرَادُ بِهِ الْمُمْتَنِعُ لِنَفْسِهِ، وَيُرَادُ بِهِ مَا يَمْتَنِعُ لِوُجُودِ غَيْرِهِ، فَهَذَا الثَّانِي يُوصَفُ بِأَنَّهُ مُمْكِنٌ مَقْدُورٌ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ. وَإِيمَانُ مَنْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ مَقْدُورٌ لَهُ لَكِنَّهُ لَا يَقَعُ، وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ مَعَ كَوْنِهِ مُسْتَطِيعَ الْإِيمَانِ، كَمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَحُجُّ مَعَ اسْتِطَاعَتِهِ الْحَجَّ.

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَدَّعِي أَنَّ الْمُمْتَنِعَ لِذَاتِهِ مَقْدُورٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَدَّعِي إِمْكَانَ أُمُورٍ يُعْلَمُ بِالْعَقْلِ امْتِنَاعُهَا. وَغَالِبُ هَؤُلَاءِ لَا يُتَصَوَّرُ مَا يَقُولُهُ حَقَّ التَّصَوُّرِ، أَوْ لَا يَفْهَمُ مَا يُرِيدُهُ النَّاسُ بِتِلْكَ الْعِبَارَةِ، فَيَقَعُ الِاشْتِرَاكُ وَالِاشْتِبَاهُ فِي اللَّفْظِ أَوْ فِي الْمَعْنَى.

وَحَقِيقَةُ الْأَمْرِ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ: أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ.

وَأَمَّا الْقَدَرِيَّةُ مِنَ الْإِمَامِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ، فَإِذَا قَالُوا: إِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ الْمَقْدُورَاتِ لَمْ يُرِيدُوا بِذَلِكَ مَا يُرِيدُهُ أَهْلُ الْإِثْبَاتِ، وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ مَا هُوَ مَقْدُورٌ لَهُ، وَأَمَّا نَفْسُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ - مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ وَالْإِنْسِ - فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا عِنْدَ الْقَدَرِيَّةِ، وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا: هَلْ يَقْدِرُ عَلَى مِثْلِهَا؟

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ قَوْلُهُمْ: إِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ مَقْدُورٍ، إِنَّمَا (١) . يَتَضَمَّنُ


(١) فِي الْأَصْلِ: وَإِنَّمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>