للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلْأَسْبَابِ الَّتِي عِنْدَهَا يَكُونُ الْعَبْدُ فَاعِلًا وَيَمْتَنِعُ أَلَّا يَكُونَ فَاعِلًا، فَمَا عَلِمَ اللَّهُ أَنَّ الْعَبْدَ يَفْعَلُهُ خَلَقَ الْأَسْبَابَ الَّتِي يَصِيرُ بِهَا فَاعِلًا، وَيَقُولُونَ: إِنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ وُجِدَتْ مِنْ جِهَتِهِ لَا مِنْ جِهَةِ اللَّهِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُوجِدُهَا كَمَا قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ خَالِقُهَا، وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ لَمْ يُكَوِّنْهَا وَلَمْ يَجْعَلْهَا، وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْعَبْدَ تَحْدُثُ لَهُ إِرَادَةٌ مُكْتَسَبَةٌ. لَكِنْ قَدْ يَقُولُونَ: إِنَّهَا بِإِرَادَةٍ ضَرُورِيَّةٍ يَخْلُقُهَا اللَّهُ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو خَازِمٍ (١) . وَغَيْرُهُ، وَقَدْ يَقُولُونَ: بَلِ الْعَبْدُ يُحْدِثُ إِرَادَتَهُ مُطْلَقًا، كَمَا قَالَتْهُ الْقَدَرِيَّةُ. لَكِنَّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ إِنَّ الرَّبَّ يَسَّرَ خَلْقَ الْأَسْبَابِ الَّتِي تَبْعَثُ دَاعِيَةً عَلَى إِيقَاعِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يُوقِعُهُ] (٢) . .

وَلَكِنْ [عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ] (٣) مَنْ قَالَ: إِنَّ (٤) . الْفِعْلَ هُوَ الْمَفْعُولُ -[كَمَا يَقُولُهُ الْجَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ، وَمَنْ وَافَقَهُ كَالْأَشْعَرِيِّ وَطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ] (٥) - يَقُولُ: إِنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ هِيَ فِعْلُ اللَّهِ.

فَإِنْ قَالَ أَيْضًا: وَهِيَ فِعْلٌ لَهُمْ (٦) . لَزِمَهُ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ الْوَاحِدُ لِفَاعِلَيْنِ، كَمَا يُحْكَى عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْإِسْفِرَايِينِيِّ (٧) وَإِنْ لَمْ يَقُلْ: هِيَ فِعْلٌ لَهُمْ


(١) فِي الْأَصْلِ: أَبُو حَازِمٍ
(٢) هُنَا يَنْتَهِي السَّقْطُ الْمَوْجُودُ فِي (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) ، وَبَدَأَ فِي الصَّفْحَةِ السَّابِقَةِ
(٣) الْعِبَارَةُ بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) .
(٤) إِنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع)
(٥) الْعِبَارَةُ بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) .
(٦) ب، أ، ن، م: فَإِنْ قَالَ: وَهُوَ أَيْضًا فِعْلٌ لَهُمْ
(٧) فِي هَامِشِ نُسْخَةِ (ع) كُتِبَ التَّعْلِيقُ التَّالِي: " إِنَّ أَبَا إِسْحَاقَ (فِي الْأَصْلِ: أَبِي إِسْحَاقَ) الْإِسْفِرَايِينِيَّ يَقُولُ بِأَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ تَكُونُ بِفَاعِلَيْنِ. قُلْتُ: وَكَذَا عَامَّةُ الْحَنَفِيَّةِ يَقُولُونَ: إِنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ لَيْسَتْ بِفِعْلٍ لِلَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ، كَمَا يَقُولُ بِهِ جَهْمٌ وَالْأَشْعَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَلَا بِفِعْلٍ لِلْعَبْدِ وَحْدَهُ، كَمَا يَقُولُ بِهِ الْمُعْتَزِلَةُ وَمَنْ يَحْذُو حَذْوَهُمْ، بَلْ هِيَ فِعْلٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِلْعَبْدِ مَعًا، فَكَأَنَّهُمْ هَرَبُوا عَنِ الْجَبْرِ وَعَنْ كَوْنِ الْعَبْدِ خَالِقًا، إِلَّا أَنَّهُمْ وَقَعُوا فِي هُجْنَةٍ أُخْرَى ". وَأَبُو إِسْحَاقَ الْإِسْفِرَايِينِيُّ هُوَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مِهْرَانَ، الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ، الْمُتَكَلِّمُ الْأُصُولِيُّ، تُوُفِّيَ سَنَةَ ٤١٨. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ ١/٨ - ٩ ; شَذَرَاتِ الذَّهَبِ ٣/٢١٠ - ٢٠٩; طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ ٣ \ - ١١١ ١١٤ ; الْعِبَرِ لِلذَّهَبِيِّ ٣/١٢٨ ; الْأَعْلَامِ لِلزِّرِكْلِيِّ ١ \. ٥٩

<<  <  ج: ص:  >  >>