للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ] (١) ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ» (٢) .

فَبَيَّنَ (٣) أَنَّ الْخَيْرَ الْمَوْجُودَ مِنَ الثَّوَابِ مِمَّا يُحْمَدُ اللَّهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ الْمُحْسِنُ بِهِ وَبِأَسْبَابِهِ، وَأَمَّا الْعُقُوبَةُ فَإِنَّهُ (٤) عَادِلٌ فِيهَا فَلَا يَلُومَنَّ الْعَبْدُ إِلَّا نَفْسَهُ، كَمَا قِيلَ: كُلُّ نِعْمَةٍ مِنْهُ فَضْلٌ، وَكُلُّ نِقْمَةٍ مِنْهُ عَدْلٌ.

[وَأَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ يَقُولُونَ: الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ إِنَّمَا تَدُلُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَاللَّهُ قَدْ نَزَّهَ نَفْسَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ عَنِ الظُّلْمِ الْمُمْكِنِ الْمَقْدُورِ، مِثْلَ نَقْصِ الْإِنْسَانِ مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَحَمْلِ سَيِّئَاتِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ.

وَأَمَّا خَلْقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَاخْتِصَاصُهُ أَهْلَ الْإِيمَانِ بِإِعَانَتِهِمْ عَلَى الطَّاعَةِ فَلَيْسَ هَذَا مِنَ الظُّلْمِ فِي شَيْءٍ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَسَائِرِ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ، وَلَكِنَّ الْقَدَرِيَّةَ تَزْعُمُ أَنَّ ذَلِكَ ظُلْمٌ، وَتَتَكَلَّمُ فِي التَّعْدِيلِ وَالتَّجْوِيرِ (٥) بِكَلَامٍ مُتَنَاقِضٍ فَاسِدٍ كَمَا قَدْ بُيِّنَ فِي مَوْضِعِهِ] (٦) .


(١) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) .
(٢) ذَكَرَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ قَبْلُ ١/٩١، ٩٣ فَارْجِعْ إِلَيْهِ هُنَاكَ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ (شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ ١٦/١٣٣) : " الْمِخْيَطُ - بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْيَاءِ - هُوَ الْإِبْرَةُ. قَالَ الْعُلَمَاءُ: هَذَا تَقْرِيبٌ إِلَى الْأَفْهَامِ وَمَعْنَاهُ لَا يَنْقُصُ شَيْئًا أَصْلًا ".
(٣) م: فَتَبَيَّنَ.
(٤) ب، ا: فَاللَّهُ.
(٥) فِي الْأَصْلِ: التَّجْوِيزِ، وَهُوَ خَطَأٌ.
(٦) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) . وَانْظُرْ: رِسَالَةَ " شَرْحِ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ " مَجْمُوعَةَ الرَّسَائِلِ الْمُنِيرِيَّةِ ٣/٢٠٥ - ٢٤٦، الْقَاهِرَةِ، ١٣٤٦. وَهِيَ فِي مَجْمُوعِ فَتَاوَى الرِّيَاضِ ١٨/١٣٦ - ٢٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>