للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَعَالَى، إِذَا كَانَ جَعْلُ الشَّخْصِ نَبِيًّا رَسُولًا مِنْ أَفْعَالِ اللَّهِ تَعَالَى، فَمَنْ نَفَى الْحُكْمَ وَالْأَسْبَابَ فِي أَفْعَالِهِ وَجَعَلَهَا مُعَلَّقَةً بِمَحْضِ الْمَشِيئَةِ وَجَوَّزَ عَلَيْهِ فِعْلَ كُلِّ مُمْكِنٍ وَلَمْ يُنَزِّهْهُ عَنْ فِعْلٍ مِنَ الْأَفْعَالِ - كَمَا هُوَ قَوْلُ الْجَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ وَكَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، كَالْأَشْعَرِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ مِنْ أَتْبَاعِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ مُثْبِتَةِ الْقَدَرِ - فَهَؤُلَاءِ يُجَوِّزُونَ بِعْثَةَ كُلِّ مُكَلَّفٍ، وَالنُّبُوَّةُ عِنْدَهُمْ مُجَرَّدُ إِعْلَامِهِ بِمَا أَوْحَاهُ إِلَيْهِ، وَالرِّسَالَةُ مُجَرَّدُ أَمْرِهِ بِتَبْلِيغِ مَا أَوْحَاهُ إِلَيْهِ، وَلَيْسَتِ النُّبُوَّةُ عِنْدَهُمْ صِفَةً ثُبُوتِيَّةً وَلَا مُسْتَلْزَمَةً لِصِفَةٍ يَخْتَصُّ بِهَا، بَلْ هِيَ مِنَ الصِّفَاتِ الْإِضَافِيَّةِ كَمَا يَقُولُونَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ.

وَهَذَا قَوْلُ طَوَائِفَ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ كَالْجَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ وَالْأَشْعَرِيِّ وَأَتْبَاعِهِمَا وَلِهَذَا مَنْ يَقُولُ بِهَا كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَأَبِي الْمَعَالِي وَغَيْرِهِمَا يَقُولُ: إِنَّ الْعَقْلَ لَا يُوجِبُ عِصْمَةَ النَّبِيِّ إِلَّا فِي التَّبْلِيغِ خَاصَّةً فَإِنَّ هَذَا هُوَ مَدْلُولُ الْمُعْجِزَةِ وَمَا سِوَى ذَلِكَ إِنْ دَلَّ السَّمْعُ عَلَيْهِ، وَإِلَّا لَمْ تَجِبْ عِصْمَتُهُ مِنْهُ.

وَقَالَ مُحَقِّقُو هَؤُلَاءِ كَأَبِي الْمَعَالِي وَغَيْرِهِ إِنَّهُ لَيْسَ فِي السَّمْعِ قَاطِعٌ يُوجِبُ الْعِصْمَةَ، وَالظَّوَاهِرُ تَدُلُّ عَلَى وُقُوعِ الذُّنُوبِ مِنْهُمْ (١) .، وَكَذَلِكَ كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ إِنَّمَا يُثْبِتُ مَا يُثْبِتُهُ مِنَ الْعِصْمَةِ فِي غَيْرِ التَّبْلِيغِ إِذَا كَانَ مِنْ مَوَارِدِ الْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ حُجَّةٌ وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَيَقُولُ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ عَقْلٌ وَلَا سَمْعٌ.

وَإِذَا احْتَجَّ الْمُعْتَزِلَةُ وَمُوَافِقُوهُمْ مِنَ الشِّيعَةِ عَلَيْهِمْ بِأَنَّ هَذَا يُوجِبُ


(١) انْظُرْ: الْإِرْشَادَ لِلْجُوَيْنِيِّ، ص ٣٥٦ - ٣٥٧ ; أُصُولَ الدِّينِ لِابْنِ طَاهِرٍ، ص ١٦٧ - ١٦٩

<<  <  ج: ص:  >  >>