للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْكَلَّ، وَتُقْرِي الضَّيْفَ، وَتُكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتُعِينَ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ» (١)) . . فَاسْتَدَلَّتْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِحُسْنِ عَقْلِهَا عَلَى أَنَّ مَنْ يَكُونُ اللَّهُ قَدْ خَلَقَهُ بِهَذِهِ الْأَخْلَاقِ الْكَرِيمَةِ، الَّتِي هِيَ مِنْ أَعْظَمِ صِفَاتِ الْأَبْرَارِ الْمَمْدُوحِينَ، أَنَّهُ لَا يَجْزِيهِ فَيُفْسِدُ الشَّيْطَانُ عَقْلَهُ وَدِينَهُ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَحَيٌّ تَعْلَمُ بِهِ انْتِفَاءَ ذَلِكَ، بَلْ عَلِمَتْهُ بِمُجَرَّدِ عَقْلِهَا الرَّاجِحِ.

وَكَذَلِكَ لَمَّا ادَّعَى النُّبُوَّةَ مَنِ ادَّعَاهَا مِنَ الْكَذَّابِينَ، مِثْلُ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ وَالْعَنْسِيِّ وَغَيْرِهِمَا، مَعَ مَا كَانَ يُشْتَبَهُ مِنْ أَمْرِهِمْ، لِمَا كَانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ مِنَ الشَّيَاطِينِ وَيُوحُونَ إِلَيْهِمْ، حَتَّى يَظُنَّ الْجَاهِلُ أَنَّ هَذَا مِنْ جِنْسِ مَا يَنْزِلُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَيُوحَى إِلَيْهِمْ، فَكَانَ مَا يَبْلُغُ الْعُقَلَاءَ وَمَا يَرَوْنَهُ (٢) . مِنْ سِيرَتِهِمْ وَالْكَذِبِ الْفَاحِشِ وَالظُّلْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ يُبِينُ لَهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ بِنَبِيٍّ، إِذْ قَدْ عَلِمُوا أَنَّ النَّبِيَّ لَا يَكُونُ كَاذِبًا وَلَا فَاجِرًا.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَالَ لَهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ: اعْدِلْ يَا مُحَمَّدُ، فَإِنَّكَ لَمْ تَعْدِلْ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَقَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ، أَلَا تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ» " (٣) ، وَالرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ بِالْفَتْحِ أَيْ أَنْتَ خَاسِرٌ خَائِبٌ إِنْ لَمْ


(١) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثِ بَدْءِ الْوَحْيِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي: الْبُخَارِيِّ ١/٣ - ٤ (كِتَابُ بَدْءِ الْوَحْيِ، بَابُ كَيْفَ كَانَ بَدْءُ الْوَحْيِ) ، ٦/١٧٣ - ١٧٤ (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ اقْرَأْ) ; مُسْلِمٍ ١/١٣٩ - ١٤٣ (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ بَدْءِ الْوَحْيِ
(٢) فِي الْأَصْلِ: وَمَا يَرَوْهُ
(٣) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ عَنِ الْخَوَارِجِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي: الْبُخَارِيِّ ٤/٢٠٠ (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ) ; مُسْلِمٍ ٢/٧٤٣ - ٧٤٤ (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ ذِكْرِ الْخَوَارِجِ وَصِفَاتِهِمْ) ; سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ ٤/٣٣٥ - ٣٣٧ (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابٌ فِي قِتَالِ الْخَوَارِجِ) . وَأَوَّلُ الْحَدِيثِ فِي الْبُخَارِيِّ: وَيْلَكَ وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ قَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ ". وَانْظُرْ: دَرْءَ تَعَارُضِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ ٧/١٨٠ - ١٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>