للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْإِنْسَانُ يَنْتَقِلُ مِنْ نَقْصٍ إِلَى كَمَالٍ، فَلَا يُنْظَرُ إِلَى نَقْصِ الْبِدَايَةِ، وَلَكِنْ يُنْظَرُ إِلَى كَمَالِ النِّهَايَةِ، فَلَا يُعَابُ الْإِنْسَانُ بِكَوْنِهِ كَانَ نُطْفَةً ثُمَّ صَارَ عَلَقَةً ثُمَّ صَارَ مُضْغَةً، إِذَا كَانَ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ خَلَقَهُ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ. وَمَنْ نَظَرَ إِلَى مَا كَانَ فَهُوَ مِنْ جِنْسِ إِبْلِيسَ الَّذِي قَالَ: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [سُورَةُ ص: ٧٦] ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ - فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [سُورَةُ ص: ٧١، ٧٢] ، فَأَمَرَهُمْ بِالسُّجُودِ لَهُ إِكْرَامًا لِمَا شَرَّفَهُ اللَّهُ بِنَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مَخْلُوقًا مِنْ طِينٍ، وَالْمَلَائِكَةُ مَخْلُوقُونَ مِنْ نُورٍ، وَإِبْلِيسُ مَخْلُوقٌ مِنْ نَارٍ، كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «خَلَقَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ مِنْ نُورٍ، وَخَلَقَ إِبْلِيسَ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخَلَقَ آدَمَ مِمَّا وَصَفَ لَكُمْ» " (١) . .

وَكَذَلِكَ التَّوْبَةُ بَعْدَ السَّيِّئَاتِ ; قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: ٢٢٢] . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّهُ قَالَ: " «لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ رَجُلٍ أَضَلَّ رَاحِلَتَهُ بِأَرْضٍ دَوِيَّةٍ مُهْلِكَةٍ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَقَالَ تَحْتَ شَجَرَةٍ يَنْتَظِرُ الْمَوْتَ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ إِذَا بِدَابَّتِهِ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَكَيْفَ تَجِدُونَ فَرَحَهُ بِهَا؟ قَالُوا: عَظِيمًا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ هَذَا بِرَاحِلَتِهِ» " (٢) . .


(١) الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي مُسْلِمٍ ٤/٢٢٩٤ (كِتَابُ الزُّهْدِ وَالرَّقَائِقِ، بَابٌ فِي أَحَادِيثَ مُتَفَرِّقَةٍ) وَلَفْظُهُ: " قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خُلِقَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ، وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ " ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) ٦/١٥٣، ١٦٨
(٢) الْحَدِيثُ مَرْوِيٌّ مِنْ وُجُوهٍ عِدَّةٍ عَنْ عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَبِأَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ فِي: الْبُخَارِيِّ \ ٦٧ - ٦٨ (كِتَابُ الدَّعَوَاتِ، بَابُ التَّوْبَةِ) ; مُسْلِمٍ ٤/٢١٠٢ - ٢١٠٥ (كِتَابُ التَّوْبَةِ، بَابٌ فِي الْحَضِّ عَلَى التَّوْبَةِ وَالْفَرَحِ بِهَا) ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ ٤ - ٧٠ (كِتَابُ صِفَةِ الْقِيَامَةِ، بَابُ ١٥) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) ٥/٢٢٥ - ٢٢٦ (الْأَرْقَامُ: ٣٦٢٧ - ٣٦٢٩) . وَانْظُرْ: جَامِعَ الْأُصُولِ ٣/٦٣ - ٦٧

<<  <  ج: ص:  >  >>